قوله: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ أم هذا قِيلَ: هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ وَقِيلَ: هِيَ الْمُتَّصِلَةُ، وَفِي الْهَمْزَةِ الْإِنْكَارُ الْمُفِيدُ لِلتَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ، وَالْخِطَابُ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ يَنْسِبُونَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِلَى بَنِيهِ أَنَّهُمْ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ.
فَرَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: أَشَهِدْتُمْ يَعْقُوبَ وَعَلِمْتُمْ بِمَا أَوْصَى بِهِ بَنِيهِ فَتَدَّعُونَ ذَلِكَ عَنْ عِلْمٍ، أَمْ لَمْ تَشْهَدُوا بَلْ أَنْتُمْ مُفْتَرُونَ. وَالشُّهَدَاءُ: جَمْعُ شَاهِدٍ، وَلَمْ يَنْصَرِفْ لِأَنَّ فِيهِ أَلِفَ التَّأْنِيثِ الَّتِي لِتَأْنِيثِ الْجَمَاعَةِ، وَالْعَامِلُ فِي إِذْ الأولى: معنى الشهادة، وإذ الثَّانِيَةُ: بَدَلٌ مِنَ الْأُولَى، وَالْمُرَادُ بِحُضُورِ الْمَوْتِ: حُضُورُ مُقَدَّمَاتِهِ، وَإِنَّمَا جَاءَ بِ: مَا دُونَ مَنْ فِي قَوْلِهِ: مَا تَعْبُدُونَ لِأَنَّ الْمَعْبُودَاتِ مِنْ دُونِ اللَّهِ غَالِبُهَا جَمَادَاتٌ كَالْأَوْثَانِ وَالنَّارِ وَالشَّمْسِ وَالْكَوَاكِبِ. وَمَعْنَى مِنْ بَعْدِي أَيْ: مِنْ بَعْدِ مَوْتِي. وَقَوْلُهُ: إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ عَطْفُ بَيَانٍ لِقَوْلِهِ آبائِكَ وَإِسْمَاعِيلُ وَإِنْ كَانَ عَمًّا لِيَعْقُوبَ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْعَمَّ أَبًا وَقَوْلُهُ: إِلهاً بَدَلٌ مِنْ إِلَهَكَ وَإِنْ كَانَ نَكِرَةً فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ تَخْصِيصِهِ بِالصِّفَةِ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ: واحِداً فَإِنَّهُ قَدْ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ مِنَ الْإِبْدَالِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَقِيلَ: إِنَّ إِلَهًا: مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَقِيلَ: إِنَّهُ حَالٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ، لِأَنَّ الغرض الإثبات حَالِ الْوَحْدَانِيَّةِ.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ، وَيَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ، وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ: وَإِلَهَ أَبِيكَ فَقِيلَ: أَرَادَ إِبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ. وَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَإِسْماعِيلَ عَطْفًا عَلَى أَبِيكَ، وَكَذَلِكَ: إِسْحاقَ وَإِنْ كَانَ هُوَ أَبَاهُ حَقِيقَةً وَإِبْرَاهِيمُ جَدَّهُ، وَلَكِنْ لِإِبْرَاهِيمَ مَزِيدُ خُصُوصِيَّةٍ وَقِيلَ إِنَّ قَوْلَهُ أَبِيكَ: جَمْعٌ، كَمَا رُوِيَ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّ: أَبِينَ، جَمْعُ سَلَامَةٍ، وَمِثْلُهُ: أَبُونَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَلَمَّا تَبَيَّنَ أَصْوَاتَنَا ... بَكَيْنَ وَفَدَيْنَنَا بِالْأَبِينَا
وَقَوْلُهُ: وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، أَيْ: نَعْبُدُهُ حَالَ إِسْلَامِنَا لَهُ، وَجَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ تَكُونَ إِعْتِرَاضِيَّةً عَلَى مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ مِنْ جَوَازِ وُقُوعِ الْجُمَلِ الِاعْتِرَاضِيَّةِ آخِرَ الْكَلَامِ. وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: تِلْكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute