للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِمُ اتِّبَاعُكَ، وَالْإِيمَانُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، حَتَّى تَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ الْإِيهَامُ الَّذِي هُوَ شُعْبَةٌ مِنَ السِّحْرِ إِلَى أَنْ تَغْلِبَ عَلَى أَرْضِنَا وَتُخْرِجَنَا مِنْهَا. وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَلْعُونُ الْإِخْرَاجَ مِنَ الْأَرْضِ لِتَنْفِيرِ قَوْمِهِ عَنْ إِجَابَةِ مُوسَى، فَإِنَّهُ إِذَا وَقَعَ فِي أَذْهَانِهِمْ وَتَقَرَّرَ فِي أَفْهَامِهِمْ أَنَّ عَاقِبَةَ إِجَابَتِهِمْ لِمُوسَى الْخُرُوجُ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ كَانُوا غَيْرَ قَابِلَيْنِ لِكَلَامِهِ، وَلَا نَاظِرِينَ فِي مُعْجِزَاتِهِ، وَلَا مُلْتَفِتِينَ إِلَى مَا يَدْعُو إِلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ الْفَاءُ لِتَرْتِيبِ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا وَاللَّامُ هِيَ الْمُوطِّئَةُ لِلْقَسَمِ، أَيْ: وَاللَّهِ لَنُعَارِضَنَّكَ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ مِنَ السِّحْرِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لِلنَّاسِ أَنَّ الَّذِي جِئْتَ بِهِ سِحْرٌ يَقْدِرُ عَلَى مَثَلِهِ السَّاحِرُ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً هُوَ مَصْدَرٌ، أَيْ:

وَعْدًا، وَقِيلَ: اسْمُ مَكَانٍ، أَيِ: اجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مَعْلُومًا، أَوْ مَكَانًا مَعْلُومًا لَا نُخْلِفُهُ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَلِهَذَا قَالَ: لَا نُخْلِفُهُ أَيْ: لَا نُخْلِفُ ذَلِكَ الْوَعْدَ، وَالْإِخْلَافُ: أَنْ تَعِدَ شَيْئًا وَلَا تنجزه.

قال الجوهري: الميعاد: المواعدة والوقت والموضع، وكذلك الوعد. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْقَعْقَاعِ وَشَيْبَةُ وَالْأَعْرَجُ لَا نُخْلِفُهُ بِالْجَزْمِ عَلَى أَنَّهُ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ اجْعَلْ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَوْعِدًا، أَيْ:

لَا نُخْلِفُ ذَلِكَ الْوَعْدَ نَحْنُ وَلا أَنْتَ وَفَوَضَ تَعْيِينَ الْمَوْعِدِ إِلَى مُوسَى إِظْهَارًا لِكَمَالِ اقْتِدَارِهِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ مَا أَتَى بِهِ مُوسَى، وَانْتِصَابُ مَكاناً سُوىً بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَصْدَرُ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ مَوْعِدٍ.

قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ سُوىً بِضَمِّ السِّينِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ. وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ كَسْرَ السِّينِ لِأَنَّهَا اللُّغَةُ الْعَالِيَةُ الْفَصِيحَةُ وَالْمُرَادُ مَكَانًا مُسْتَوِيًا، وَقِيلَ: مَكَانًا مُنْصِفًا عَدْلًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: يُقَالُ سِوًى وَسُوًى، أَيْ: عَدْلٌ، يَعْنِي عَدْلًا بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ. قَالَ زُهَيْرٌ:

أَرَوْنَا خُطَّةً لَا ضَيْمَ فِيهَا ... يُسَوِّي بَيْنَنَا فيها السّواء

قال أبو عبيدة والقتبي: مَعْنَاهُ مَكَانًا وَسَطًا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِمُوسَى بْنِ جَابِرٍ الْحَنَفِيِّ:

وَإِنَّ أَبَانَا كان حلّ ببلدة ... سوى بين قيس عيلان وَالْفَزَرِ

وَالْفَزَرُ: سَعْدُ بْنُ زَيْدِ مَنَاةَ. ثُمَّ وَاعَدَهُ مُوسَى بِوَقْتٍ مَعْلُومٍ فَ قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالسُّدِّيُّ: كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ عِيدٍ يَتَزَيَّنُونَ فِيهِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَوْمُ السَّبْتِ، وَقِيلَ: يَوْمُ النَّيْرُوزِ، وَقِيلَ: يَوْمُ كَسْرِ الْخَلِيجِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْأَعْمَشُ وَعِيسَى الثَّقَفِيُّ وَالسُّلَمِيُّ وَهُبَيْرَةُ عَنْ حَفْصٍ يَوْمُ الزِّينَةِ بِالنَّصْبِ، وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، أَيْ:

فِي يَوْمِ الزِّينَةِ إِنْجَازُ مَوْعِدَنَا. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مَوْعِدُكُمْ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الْمِيعَادُ زَمَانًا بَعْدَ أَنْ طَلَبَ منه فرعون أن يكون سُوًى، لِأَنَّ يَوْمَ الزِّينَةِ يَدُلُّ عَلَى مَكَانٍ مَشْهُورٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ النَّاسُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: مَوْعِدُكُمْ مَكَانُ يَوْمِ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى مَعْطُوفٌ عَلَى يَوْمِ الزِّينَةِ فَيَكُونُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، أَوْ عَلَى الزِّينَةِ فَيَكُونُ فِي مَحَلِّ جَرٍّ، يَعْنِي ضُحَى ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ أَهْلُ مِصْرَ. وَالْمَعْنَى:

يُحْشَرُونَ إِلَى الْعِيدِ وَقْتَ الضُّحَى، وَيَنْظُرُونَ فِي أَمْرِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْمَعْنَى إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ يُحْشَرُونَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ضُحًى فَذَلِكَ الْمَوْعِدُ. قَالَ: وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ بِحَشْرِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَالضُّحَى قَالَ الْجَوْهَرِيُّ:

ضَحْوَةُ النَّهَارِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، ثُمَّ بَعْدَهُ الضُّحَى، وَهُوَ حِينَ تُشْرِقُ الشَّمْسُ، وَخَصَّ الضُّحَى لِأَنَّهُ أَوَّلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>