للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْمَبَارِدِ، وَيُقَالُ لِلْمُبَرِّدِ الْمُحْرِقُ. وَالْقِرَاءَةُ الْأَوْلَى أَوْلَى، وَمَعْنَاهَا الْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ، وَكَذَا مَعْنَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ، وقد جمع بين هذه القراءات الثلاث بِأَنَّهُ أَحْرَقَ، ثُمَّ بَرَّدَ بِالْمُبَرِّدِ، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ «لَنَذْبَحَنَّهُ ثُمَّ لَنَحْرِقَنَّهُ» ، وَاللَّامُ هِيَ الْمُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً النَّسْفُ: نَفْضُ الشَّيْءِ لِيَذْهَبَ بِهِ الرِّيحُ. قَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ لَنَنْسِفَنَّهُ بِضَمِّ السِّينِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ. وَالْمِنْسَفُ: مَا يُنْسَفُ بِهِ الطعام، وهو شيء متصوب الصَّدْرِ أَعْلَاهُ مُرْتَفِعٌ، وَالنُّسَافَةُ: مَا يَسْقُطُ مِنْهُ إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ لا هذا العجل الذي فتنكم بِهِ السَّامِرِيَّ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً قَرَأَ الْجُمْهُورُ «وَسِعَ» بِكَسْرِ السِّينِ مُخَفَّفَةً.

وَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ، وَانْتِصَابُ عِلْمًا عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنِ الْفَاعِلِ، أَيْ: وَسِعَ عِلْمُهُ كُلَّ شَيْءٍ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ «وَسَّعَ» بِتَشْدِيدِ السِّينِ وَفَتْحِهَا فَيَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَيَكُونُ انْتِصَابُ عِلْمًا عَلَى أَنَّهُ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا، لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ فَاعِلٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَسِعَ عِلْمُهُ كُلَّ شَيْءٍ، وَقَدْ مَرَّ نَحْوُ هَذَا فِي الْأَعْرَافِ كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ الْكَافُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهَا نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ:

كَمَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ خَبَرَ مُوسَى كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ مَا قَدْ سَبَقَ أَيْ: مِنْ أَخْبَارِ الْحَوَادِثِ الْمَاضِيَةِ فِي الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ لِتَكُونَ تَسْلِيَةً لَكَ وَدَلَالَةً عَلَى صِدْقِكَ، وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ، أَيْ: بَعْضُ أَخْبَارِ ذَلِكَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ الْقُرْآنُ، وَسُمِّيَ ذِكْرًا لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُوجِبَاتِ لِلتَّذَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ الشَّرَفُ كقوله: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ثُمَّ تَوَعَّدَ سُبْحَانَهُ الْمُعْرِضِينَ عَلَى هَذَا الذِّكْرِ فَقَالَ:

مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً أَيْ: أَعْرَضَ عَنْهُ فَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ وَلَا عَمِلَ بِمَا فِيهِ، وَقِيلَ:

أَعْرَضَ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّ الْمُعْرِضَ عَنْهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا أَيْ: إِثْمًا عَظِيمًا وَعُقُوبَةً ثقيلة بسبب إعراضه خالِدِينَ فِيهِ فِي الْوِزْرِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يُقِيمُونَ فِي جَزَائِهِ، وَانْتِصَابُ خَالِدِينَ عَلَى الْحَالِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا أَيْ: بِئْسَ الْحِمْلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ أَيْ: سَاءَ لَهُمْ حِمْلًا وِزْرُهُمْ، وَاللَّامُ لِلْبَيَانِ كَمَا فِي هَيْتَ لَكَ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قَالَ: أَمَرَهُ مُوسَى أَنْ يُصْلِحَ وَلَا يَتَّبِعَ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ. فَكَانَ مِنْ إِصْلَاحِهِ أَنْ يُنْكِرَ الْعِجْلَ. وَأَخْرَجَ عَنْهُ أَيْضًا في قوله: لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي

قَالَ:

لَمْ تَنْتَظِرْ قَوْلِي مَا أَنَا صَانِعٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ تَرْقُبْ ولم تَحْفَظْ قَوْلِي. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِساسَ قَالَ: عُقُوبَةٌ لَهُ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ قَالَ: لَنْ تَغِيبَ عَنْهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً قَالَ: أَقَمْتَ لَنُحَرِّقَنَّهُ قَالَ بِالنَّارِ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ قَالَ:

لَنَذْرِيَنَّهُ فِي الْبَحْرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ لَنُحَرِّقَنَّهُ خَفِيفَةٌ وَيَقُولُ: إِنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَا تُحْرَقُ بِالنَّارِ، بَلْ تُسْحَلُ بِالْمِبْرَدِ، ثُمَّ تُلْقَى عَلَى النَّارِ فَتَصِيرُ رَمَادًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ:

الْيَمِّ: الْبَحْرُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: الْيَمِّ: النَّهْرُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ:

وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً قَالَ: مَلَأَ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>