للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضَّرْبَ زَيْدًا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «١» :

وَلَوْ وَلَدَتْ قفيرة «٢» جِرْوَ كَلْبٍ ... لَسُبَّ بِذَلِكَ الْجِرْوِ الْكِلَابَا

هَكَذَا قَالَ فِي تَوْجِيهِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عبيد وثعلب، وخطأها أَبُو حَاتِمٍ وَالزَّجَّاجُ وَقَالَا: هِيَ لَحْنٌ لِأَنَّهُ نَصَبَ اسْمَ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ نُجِّيَ الْمُؤْمِنُونَ. وَلِأَبِي عُبَيْدَةَ قَوْلٌ آخَرُ، وهو أنه أدغم النون في الجيم، وبه قال القتبي. وَاعْتَرَضَهُ النَّحَّاسُ فَقَالَ: هَذَا الْقَوْلُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ النَّحْوِيِّينَ لِبُعْدِ مَخْرَجِ النُّونِ مِنْ مَخْرَجِ الْجِيمِ فَلَا يُدْغَمُ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ النَّحَّاسُ: لَمْ أَسْمَعْ فِي هَذَا أَحْسَنَ مِنْ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَخْفَشِ قَالَ: الْأَصْلُ نُنْجِي، فَحُذِفَ إِحْدَى النُّونَيْنِ لاجتماعهما، كما تحذف إِحْدَى التَّاءَيْنِ لِاجْتِمَاعِهِمَا، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَفَرَّقُوا «٣» وَالْأَصْلُ: وَلَا تَتَفَرَّقُوا. قُلْتُ: وَكَذَا الْوَاحِدِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ النُّونَ الثَّانِيَةَ تَخْفَى مَعَ الْجِيمِ، وَلَا يَجُوزُ تَبْيِينِهَا، فَالْتَبَسَ عَلَى السَّامِعِ الْإِخْفَاءُ بِالْإِدْغَامِ، فَظَنَّ أَنَّهُ إِدْغَامٌ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا إِسْكَانُهُ الْيَاءَ مِنْ نَجَّى وَنَصْبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ مَا سَكَّنَ الْيَاءَ وَلَوَجَبَ أَنْ يَرْفَعَ الْمُؤْمِنِينَ. قُلْتُ: وَلَا نُسَلِّمُ قَوْلَهُ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَبْيِينُهَا فَقَدْ بُيِّنَتْ فِي قراءة الجمهور، وقرأ محمد بن السّميقع وأبو العالية وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ: نَجَّى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُرَّةَ فِي قَوْلِهِ: إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ قَالَ: كَانَ الْحَرْثُ نَبْتًا فَنَفَشَتْ فِيهِ لَيْلًا، فَاخْتَصَمُوا فِيهِ إِلَى دَاوُدَ، فَقَضَى بِالْغَنَمِ لِأَصْحَابِ الْحَرْثِ، فَمَرُّوا عَلَى سُلَيْمَانَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: لَا، تُدْفَعُ الْغَنَمُ فَيُصِيبُونَ مِنْهَا، وَيَقُومُ هَؤُلَاءِ عَلَى حَرْثِهِمْ، فَإِذَا كَانَ كَمَا كَانَ رَدُّوا عَلَيْهِمْ، فَنَزَلَتْ فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ قَالَ: كَرْمٌ قَدْ أَنْبَتَتْ عَنَاقِيدُهُ فَأَفْسَدَتْهُ الْغَنَمُ، فَقَضَى دَاوُدُ بِالْغَنَمِ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: غَيْرُ هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ:

وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: يُدْفَعُ الْكَرْمُ إِلَى صَاحِبِ الْغَنَمِ فَيَقُومُ عَلَيْهِ حَتَّى يَعُودَ كَمَا كَانَ، وَتُدْفَعُ الْغَنَمُ إِلَى صَاحِبِ الْكَرْمِ فَيُصِيبُ مِنْهَا، حَتَّى إِذَا عَادَ الْكَرْمُ كَمَا كَانَ دَفَعْتَ الْكَرْمَ إِلَى صَاحِبِهِ وَالْغَنَمَ إِلَى صَاحِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:

فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْكَرْمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ نَحْوَهُ بِأَطْوَلَ مِنْهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا نَفَشَتْ قَالَ: رَعَتْ.

وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ: أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطًا فَأَفْسَدَتْ فِيهِ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَأَنَّ مَا أَفْسَدَتِ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا. وَقَدْ عُلِّلَ هَذَا الْحَدِيثُ، وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي «شَرْحِ الْمُنْتَقَى» . وَأَخْرَجَ ابْنُ مردويه من حديث عائشة نحوه،


(١) . هو جرير.
(٢) . أم الفرزدق.
(٣) . آل عمران ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>