للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَسْرِ الزَّايِ الْمُشَدَّدَةِ مَاضِيًا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو رَجَاءٍ «نَزَّلَ» بِالتَّشْدِيدِ مَاضِيًا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَفَاعِلُهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَقَرَأَ أُبَيُّ بن كعب «وأنزل الْمَلَائِكَةُ» وَقَدْ قُرِئَ فِي الشَّوَاذِّ بِغَيْرِ هَذِهِ، وَتَأْكِيدُ هَذَا الْفِعْلِ بِقَوْلِهِ تَنْزِيلًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا التَّنْزِيلَ عَلَى نَوْعٍ غَرِيبٍ وَنَمَطٍ عَجِيبٍ. قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: إِنَّ هَذَا تَنْزِيلُ رِضًا وَرَحْمَةً لَا تَنْزِيلُ سُخْطٍ وَعَذَابٍ. الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ الْمُلْكُ: مُبْتَدَأٌ، وَالْحَقُّ: صِفَةٌ لَهُ، وَلِلرَّحْمَنِ: الْخَبَرُ كَذَا قَالَ الزَّجَّاجُ، أَيِ: الْمُلْكُ الثَّابِتُ الَّذِي لَا يَزُولُ لِلرَّحْمَنِ يَوْمَئِذٍ، لِأَنَّ الْمُلْكَ الَّذِي يَزُولُ وَيَنْقَطِعُ لَيْسَ بِمُلْكٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالظَّرْفِ أَنَّ ثُبُوتَ الْمُلْكِ الْمَذْكُورِ لَهُ سُبْحَانَهُ خَاصَّةً فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَأَمَّا فِيمَا عَدَاهُ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا فَلِغَيْرِهِ مُلْكٌ فِي الصُّورَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَقِيقِيًّا. وَقِيلَ: إِنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ هُوَ الظَّرْفُ، وَالْحَقُّ نَعْتٌ لِلْمُلْكِ. وَالْمَعْنَى: الْمُلْكُ الثَّابِتُ لِلرَّحْمَنِ خَاصٌّ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً أَيْ: وَكَانَ هَذَا الْيَوْمُ مَعَ كَوْنِ الْمُلْكِ فِيهِ لِلَّهِ وَحْدَهُ شَدِيدًا عَلَى الْكُفَّارِ لِمَا يُصَابُونَ بِهِ فِيهِ، وَيَنَالُهُمْ مِنَ الْعِقَابِ بَعْدَ تَحْقِيقِ الْحِسَابِ، وَأَمَّا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ يَسِيرٌ غَيْرُ عَسِيرٍ، لِمَا يَنَالُهُمْ فِيهِ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْبُشْرَى الْعَظِيمَةِ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ الظَّرْفُ مَنْصُوبٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ: وَاذْكُرْ كَمَا انْتَصَبَ بِهَذَا الْمَحْذُوفِ الظَّرْفُ الْأَوَّلُ، أَعْنِي يَوْمَ تَشَقَّقُ، وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْعَضَّ هُنَا حَقِيقَةٌ، وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مُوجِبَ لِتَأْوِيلِهِ. وَقِيلَ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْغَيْظِ وَالْحَسْرَةِ، وَالْمُرَادُ بِالظَّالِمِ كُلُّ ظالم يرد ذلك المكان وينزل الْمَنْزِلَ، وَلَا يُنَافِيهِ وُرُودُ الْآيَةِ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ، فَالِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَقُولُ: فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَمَقُولُ الْقَوْلِ هُوَ: يَا لَيْتَنِي إِلَخْ، وَالْمُنَادَىَ مَحْذُوفٌ، أَيْ: يَا قَوْمِ! لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا: طَرِيقًا وَهُوَ طَرِيقُ الْحَقِّ، وَمَشَيْتُ فِيهِ حَتَّى أُخَلَّصَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمُضِلَّةِ، وَالْمُرَادُ اتباع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَاءَ بِهِ يَا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ عَلَى مُخَالَلَةِ الْكَافِرِ الَّذِي أَضَلَّهُ فِي الدُّنْيَا وَفُلَانٌ كِنَايَةٌ عَنِ الْأَعْلَامِ. قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ: زَعَمَ بَعْضُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتِ اسْتِعْمَالُ فُلَانٍ فِي الْفَصِيحِ إِلَّا حِكَايَةً، لَا يُقَالُ: جَاءَنِي فُلَانٌ، وَلَكِنْ يُقَالُ: قَالَ زَيْدٌ جَاءَنِي فُلَانٌ، لِأَنَّهُ اسْمُ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ عَلَمُ الِاسْمِ، وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي كَلَامِ اللَّهِ. وَقِيلَ: فُلَانٌ كِنَايَةٌ عَنْ عَلَمِ ذُكُورِ مَنْ يَعْقِلُ، وَفُلَانَةٌ عَنْ عَلَمِ إِنَاثِهِمْ. وَقِيلَ: كِنَايَةٌ عَنْ نَكِرَةِ مَنْ يَعْقِلُ مِنَ الذُّكُورِ، وَفُلَانَةٌ عَمَّنْ يَعْقِلُ مِنَ الْإِنَاثِ، وَأَمَّا الْفُلَانُ وَالْفُلَانَةُ، فَكِنَايَةٌ عَنْ غَيْرِ الْعُقَلَاءِ، وَفُلُ يُخْتَصُّ بِالنِّدَاءِ إِلَّا فِي ضَرُورَةٍ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

فِي لَجَّةٍ أَمْسِكْ فُلَانًا عَنْ فُلِ وَقَوْلِهِ:

حَدِّثَانِي عَنْ فُلَانٍ وَفُلِ وَلَيْسَ فُلُ مُرَخَّمًا مِنْ فُلَانٍ خِلَافًا لِلْفَرَّاءِ. وَزَعَمَ أَبُو حَيَّانَ أَنَّ ابْنَ عُصْفُورٍ وَابْنَ مَالِكٍ وَهِمَا فِي جَعْلِ فُلَانٍ كِنَايَةَ عَلَمِ مَنْ يَعْقِلُ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ «يَا وَيْلَتِي» بِالْيَاءِ الصَّرِيحَةِ، وَقَرَأَ الدُّورِيُّ بِالْإِمَالَةِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَتَرْكُ الْإِمَالَةِ أَحْسَنُ، لِأَنَّ أَصْلَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ: الْيَاءُ فأبدلت الكسرة فتحة، والياء فِرَارًا مِنَ الْيَاءِ، فَمَنْ أَمَالَ رَجَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>