أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: الْقَلْبُ السَّلِيمُ: الصَّحِيحُ، وَهُوَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ، لِأَنَّ قَلْبَ الْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ مَرِيضٌ، وَقِيلَ: هُوَ الْقَلْبُ الْخَالِي عَنِ الْبِدْعَةِ الْمُطْمَئِنُّ إِلَى السُّنَةِ، وَقِيلَ: السَّالِمُ مِنْ آفَةِ الْمَالِ، وَالْبَنِينَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: السَّلِيمُ: الْخَالِصُ. وَقَالَ الْجُنَيْدُ: السَّلِيمُ فِي اللُّغَةِ: اللَّدِيغُ، فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ قُلِبَ كَاللَّدِيغِ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا تَحْرِيفٌ وَتَعْكِيسٌ لِمَعْنَى الْقُرْآنِ. قَالَ الرَّازِّيُّ: أَصَحُّ الْأَقْوَالِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ: سَلَامَةُ النَّفْسِ عَنِ الْجَهْلِ، وَالْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ أَيْ: قُرِّبَتْ، وَأُدْنِيَتْ لَهُمْ لِيَدْخُلُوهَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: قُرْبُ دُخُولِهِمْ إِيَّاهَا وَنَظَرِهِمْ إِلَيْهَا وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ أَيْ: جُعِلَتْ بَارِزَةً لَهُمْ، وَالْمُرَادُ بالغاوين: الكافرين، وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا أُظْهِرَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا الْمُؤْمِنُونَ لِيَشْتَدَّ حُزْنُ الْكَافِرِينَ وَيَكْثُرَ سُرُورُ الْمُؤْمِنِينَ وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْأَصْنَامِ، وَالْأَنْدَادِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ فَيَدْفَعُونَ عَنْكُمُ الْعَذَابَ أَوْ يَنْتَصِرُونَ بِدَفْعِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ. وَهَذَا كُلُّهُ تَوْبِيخٌ وَتَقْرِيعٌ لَهُمْ، وَقَرَأَ مَالِكُ بن دينار «وبرّزت» بفتح الباء والراء مبنيا لِلْفَاعِلِ فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ أَيْ: أُلْقُوا فِي جَهَنَّمَ هُمْ: يَعْنِي الْمَعْبُودِينَ وَالْغَاوُونَ. يَعْنِي الْعَابِدِينَ لَهُمْ. وَقِيلَ مَعْنَى كُبْكِبُوا: قُلِبُوا عَلَى رؤوسهم، وَقِيلَ: أُلْقِيَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَقِيلَ: جُمِعُوا، مأخوذ من الكبكبة وهي الجماعة قاله الْهَرَوِيُّ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ كَوْكَبِ الشَّيْءِ:
أَيْ مُعْظَمُهُ، وَالْجَمَاعَةُ مِنَ الْخَيْلِ كَوْكَبٌ وَكَبْكَبَةٌ، وَقِيلَ: دُهْدِهُوا، وَهَذِهِ الْمَعَانِي مُتَقَارِبَةٌ، وَأَصْلُهُ كُبِّبُوا بِبَاءَيْنِ، الْأُولَى مُشَدَّدَةٌ مِنْ حَرْفَيْنِ، فَأُبْدِلَ مِنَ الْبَاءِ الْوُسْطَى الْكَافُ. وَقَدْ رَجَّحَ الزَّجَّاجُ أَنَّ الْمَعْنَى: طَرْحُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَرَجَّحَ ابن قتيبة أن المعنى: القوا على رؤوسهم. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي كُبْكِبُوا لِقُرَيْشٍ، وَالْغَاوُونَ: الْآلِهَةُ، وَالْمُرَادُ بِجُنُودِ إِبْلِيسَ: شَيَاطِينُهُ الَّذِينَ يُغْوُونَ الْعِبَادَ، وَقِيلَ: ذُرِّيَّتُهُ وَقِيلَ: كُلُّ مَنْ يَدْعُو إِلَى عبادة الأصنام، وأَجْمَعُونَ تَأْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ فِي كُبْكِبُوا وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَجُمْلَةُ قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: مَاذَا قَالُوا حِينَ فُعِلَ بِهِمْ مَا فُعِلَ، وَمَقُولُ الْقَوْلِ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ وَجُمْلَةُ: وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ حَالَ كَوْنِهِمْ فِي جَهَنَّمَ مُخْتَصِمِينَ، وَ «إِنْ» فِي إِنْ كُنَّا: هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَاللَّامُ فَارِقَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّافِيَةِ، أَيْ: قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّ الشَّأْنَ كَوْنُنَا فِي ضَلَالٍ وَاضِحٍ ظَاهِرٍ، وَالْمُرَادُ بِالضَّلَالِ هُنَا: الْخَسَارُ، وَالتَّبَارُ، وَالْحَيْرَةُ عَنِ الْحَقِّ، وَالْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ، أَعْنِي إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ هُوَ كَوْنُهُمْ فِي الضَّلَالِ الْمُبِينِ. وَقِيلَ:
الْعَامِلُ هُوَ الضَّلَالُ، وَقِيلَ: مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، كَأَنَّهُ قِيلَ: ضَلَلْنَا وَقْتَ تَسْوِيَتِنَا لَكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: إِنَّ «إِنْ» فِي إِنْ كُنَّا: نَافِيَةٌ وَاللَّامُ بِمَعْنَى إِلَّا، أَيْ: مَا كُنَّا إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ يَشْفَعُونَ لَنَا مِنَ الْعَذَابِ كَمَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ أَيْ: ذِي قَرَابَةٍ، وَالْحَمِيمُ: الْقَرِيبُ الَّذِي تَوَدُّهُ وَيَوَدُّكَ، وَوَحَّدَ الصَّدِيقَ لِمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَالْجَمَاعَةِ، وَالْمُذَكَّرِ، وَالْمُؤَنَّثِ، وَالْحَمِيمُ: مَأْخُوذٌ مِنْ حَامَّةِ الرَّجُلِ، أَيْ: أَقْرِبَائِهِ، وَيُقَالُ: حَمَّ الشَّيْءُ وَأَحَمَّ: إِذَا قَرُبَ مِنْهُ، وَمِنْهُ الْحُمَّى لِأَنَّهُ يُقَرِّبُ مِنَ الْأَجَلِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى: إِنَّمَا سُمِّيَ الْقَرِيبُ حَمِيمًا لِأَنَّهُ يَحْمَى لِغَضَبِ صَاحِبِهِ، فَجَعَلَهُ مَأْخُوذًا مِنَ الْحَمِيَّةِ، فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute