للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخِرَهُ، وَوَقَفَ الْقُرَّاءُ جَمِيعُهُمْ عَلَى وَادٍ بِدُونِ يَاءٍ اتِّبَاعًا لِلرَّسْمِ حَيْثُ لَمْ تُحْذَفْ لِالْتِقَاءِ الساكنين كقوله: الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ «١» إِلَّا الْكِسَائِيَّ فَإِنَّهُ وَقَفَ بِالْيَاءِ، قَالَ: لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْحَذْفِ إِنَّمَا هُوَ الْتِقَاءُ السَّاكِنَيْنِ بِالْوَصْلِ. قَالَ كَعْبٌ: وَادِ النَّمْلِ بِالطَّائِفِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: هُوَ بِالشَّامِ قالَتْ نَمْلَةٌ هَذَا جَوَابُ إِذَا، كَأَنَّهَا لَمَّا رَأَتْهُمْ مُتَوَجِّهِينَ إِلَى الْوَادِي، فَرَّتْ وَنَبَّهَتْ سَائِرَ النَّمْلِ مُنَادِيَةً لَهَا قَائِلَةً: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ جَعَلَ خِطَابَ النَّمْلِ كَخِطَابِ الْعُقَلَاءِ لِفَهْمِهَا لِذَلِكَ الْخِطَابِ، وَالْمَسَاكِنُ: هِيَ الْأَمْكِنَةُ الَّتِي يَسْكُنُ النَّمْلُ فِيهَا.

قِيلَ: وَهَذِهِ النَّمْلَةُ الَّتِي سَمِعَهَا سُلَيْمَانُ هِيَ أُنْثَى، بِدَلِيلِ تَأْنِيثِ الْفِعْلِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهَا. وَرَدَّ هَذَا أَبُو حَيَّانَ فقال:

إلحاق التَّاءِ فِي قَالَتْ، لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّمْلَةَ مُؤَنَّثَةٌ، بَلْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي المذكر قالت، لأن نَمْلَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ بِالتَّاءِ فَهِيَ مِمَّا لَا يَتَمَيَّزُ فِيهِ الْمُذَكَّرُ مِنَ الْمُؤَنَّثِ بِتَذْكِيرِ الْفِعْلِ، وَلَا بِتَأْنِيثِهِ، بَلْ يَتَمَيَّزُ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُ بِأَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرُ فَائِدَةٍ «٢» ، وَلَا بِالتَّعَرُّضِ لِاسْمِ النَّمْلَةِ، وَلِمَا ذُكِرَ مِنَ الْقِصَصِ الْمَوْضُوعَةِ، وَالْأَحَادِيثِ الْمَكْذُوبَةِ. وَقَرَأَ الحسن وطلحة ومعمر بن سليمان «نملة» والنمل بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ، بِزِنَةِ رَجُلٍ وَسَمُرَةٍ.

وَقَرَأَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ بِضَمَّتَيْنِ فِيهِمَا. لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ الْحَطْمُ: الْكَسْرُ، يُقَالُ حَطَمْتُهُ حَطْمًا: أَيْ كَسَرْتُهُ كَسَرَا، وَتَحَطَّمَ تَكَسَّرَ، وَهَذَا النَّهْيُ هُوَ فِي الظَّاهِرِ لِلنَّمْلِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لِسُلَيْمَانَ، فَهُوَ مِنْ بَابِ: لَا أَرَيَنَّكَ هَاهُنَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ الْأَمْرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلْأَمْرِ. قَالَ أَبُو حَيَّانَ:

أَمَّا تَخْرِيجُهُ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ، فَلَا يَكُونُ إِلَّا على قراءة الأعمش، «لَا يَحْطِمْكُمْ» بِالْجَزْمِ بِدُونِ نُونِ التَّوْكِيدِ، وَأَمَّا مَعَ وُجُودِ نُونِ التَّوْكِيدِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إِلَّا فِي الشِّعْرِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَهُوَ قَلِيلٌ فِي الشِّعْرِ، شَبَّهُوهُ بِالنَّهْيِ حَيْثُ كَانَ مَجْزُومًا. وَقَرَأَ أُبَيٌّ «ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُنَّ» وَقَرَأَ شَهْرُ بْنُ حوشب «مسكنكم» وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة وَعِيسَى الْهَمْدَانِيُّ «لَا يُحَطِّمَنَّكُمْ» بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الحاء وتشديد الطاء، وقرأ ابن أبي إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبُ وَأَبُو عَمْرٍو فِي رِوَايَةٍ بِسُكُونِ نُونِ التَّوْكِيدِ، وَجُمْلَةُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ يَحْطِمَنَّكُمْ، أَيْ: لَا يَشْعُرُونَ بِحَطْمِكُمْ وَلَا يَعْلَمُونَ بِمَكَانِكُمْ، وَقِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى: وَالنَّمْلُ لَا يَشْعُرُونَ أَنَّ سُلَيْمَانَ يَفْهَمُ مَقَالَتَهَا، وَهُوَ بَعِيدٌ فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها قرأ ابن السميقع «ضَحِكًا» وَعَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ يَكُونُ ضَاحِكًا: حَالًا مُؤَكَّدَةً لِأَنَّهُ قَدْ فُهِمَ الضَّحِكُ مِنَ التَّبَسُّمِ، وَقِيلَ: هِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ لِأَنَّ التَّبَسُّمَ أَوَّلُ الضَّحِكِ، وَقِيلَ: لَمَّا كَانَ التَّبَسُّمُ قَدْ يَكُونُ لِلْغَضَبِ كَانَ الضَّحِكُ مُبَيِّنًا لَهُ، وَقِيلَ: إِنَّ ضَحِكَ الْأَنْبِيَاءِ هُوَ التَّبَسُّمُ لَا غَيْرَ، وَعَلَى قراءة ابن السميقع يَكُونُ ضَحِكًا: مَصْدَرًا مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَكَانَ ضَحِكَ سُلَيْمَانَ تَعَجُّبًا مِنْ قَوْلِهَا، وَفَهْمِهَا، وَاهْتِدَائِهَا إِلَى تَحْذِيرِ النَّمْلِ وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وقد تَقَدَّمَ بَيَانُ مَعْنَى أَوْزِعْنِي قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ: «فهم يوزعون» قَالَ فِي الْكَشَّافِ: وَحَقِيقَةُ أَوْزِعْنِي: اجْعَلْنِي أَزِعُ شُكْرَ نِعَمِكَ عِنْدِي وَأَكُفُّهُ، وَأَرْتَبِطُهُ لَا يَنْفَلِتُ


(١) . الفجر: ٩.
(٢) . كان يغني عن ذلك كله الرجوع إلى كتب اللغة وفيها: النملة: واحدة النمل للذكر والأنثى.

<<  <  ج: ص:  >  >>