آتِيكَ فِعْلٌ مُضَارِعٌ، وَأَصْلُهُ أَأْتِيكَ بِهَمْزَتَيْنِ، فَأُبْدِلَتِ الثَّانِيَةُ أَلِفًا، وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: اسْمُ هَذَا الَّذِي عِنْدَهُ عَلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ آصِفُ بْنُ بَرْخِيَا، وَهُوَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ وَزِيرًا لِسُلَيْمَانَ، وَكَانَ يَعْلَمُ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَالَتْ فِرْقَةٌ هُوَ سُلَيْمَانُ نَفْسُهُ، وَيَكُونُ الْخِطَابُ عَلَى هَذَا لِلْعِفْرِيتِ: كَأَنَّ سُلَيْمَانَ اسْتَبْطَأَ مَا قَالَهُ الْعِفْرِيتُ، فَقَالَ لَهُ تَحْقِيرًا لَهُ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ وَقِيلَ: هُوَ جِبْرِيلُ، وَقِيلَ: الْخِضْرُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَقَدْ قِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ بِمَا لَا أَصْلَ لَهُ. وَالْمُرَادُ بِالطَّرْفِ: تَحْرِيكُ الْأَجْفَانِ وَفَتْحِهَا للنظر وارتداده انضمامها. وقيل: هو بمعنى الْمَطْرُوفِ، أَيِ: الشَّيْءِ الَّذِي يَنْظُرُهُ، وَقِيلَ: هُوَ نَفْسُ الْجَفْنِ عَبَّرَ بِهِ عَنْ سُرْعَةِ الْأَمْرِ كما تقول لصاحبه: افْعَلْ ذَلِكَ فِي لَحْظَةٍ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِنَّهُ قَالَ لِسُلَيْمَانَ: انْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ فَمَا طَرَفَ حَتَّى جَاءَ بِهِ، فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَالْمَعْنَى:
حَتَّى يَعُودَ إِلَيْكَ طَرْفُكَ بَعْدَ مَدِّهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَالْأَوَّلُ: أَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ: ثُمَّ الثَّالِثُ: فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قِيلَ: فِي الْآيَةِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: فَأَذِنَ لَهُ سُلَيْمَانُ فَدَعَا اللَّهَ فَأَتَى بِهِ، فَلَمَّا رَآهُ سُلَيْمَانُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ، أَيْ: رَأَى الْعَرْشَ حَاضِرًا لَدَيْهِ قالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ هَذَا إِلَى حُضُورِ الْعَرْشِ، لِيَبْلُوَنِي: أَيْ لِيَخْتَبِرَنِي أَشْكُرُهُ بِذَلِكَ وَأَعْتَرِفُ أَنَّهُ مِنْ فَضْلِهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ، أَمْ أَكْفُرُ بِتَرْكِ الشُّكْرِ، وَعَدَمِ الْقِيَامِ بِهِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: الْمَعْنَى لِيَنْظُرَ: أَأَشْكَرُ أَمْ أَكْفُرُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَى لِيَبْلُوَنِي لِيَتَعَبَّدَنِي، وَهُوَ مَجَازٌ، وَالْأَصْلُ فِي الِابْتِلَاءِ: الِاخْتِبَارُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ بِالشُّكْرِ تَمَامَ النِّعْمَةِ وَدَوَامَهَا، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ نَفْعُ ذَلِكَ إِلَّا إِلَى الشَّاكِرِ وَمَنْ كَفَرَ بِتَرْكِ الشُّكْرِ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ عَنْ شُكْرِهِ كَرِيمٌ فِي تَرْكِ الْمُعَاجَلَةِ بِالْعُقُوبَةِ بِنَزْعِ نِعَمِهِ عَنْهُ وَسَلْبِهِ مَا أَعْطَاهُ مِنْهَا، وأم فِي «أَمْ أَكْفُرُ» هِيَ الْمُتَّصِلَةُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: اذْهَبْ بِكِتابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ كُنْ قَرِيبًا مِنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ فَانْطَلَقَ بِالْكِتَابِ حَتَّى إِذَا تَوَسَّطَ عَرْشَهَا أَلْقَى الْكِتَابَ إليها فقرىء عَلَيْهَا فَإِذَا فِيهِ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ كِتابٌ كَرِيمٌ قَالَ: مَخْتُومٌ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتُبُ «بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ» حَتَّى نَزَلَتْ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: أَفْتُونِي فِي أَمْرِي قال: جمعت رؤوس مَمْلَكَتِهَا، فَشَاوَرَتْهُمْ فِي رَأْيِهَا، فَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ وَرَأْيُهَا عَلَى أَنْ يَغْزُوَهُ، فَسَارَتْ حَتَّى إِذَا كَانَتْ قَرِيبَةً قَالَتْ: أَرْسِلُ إِلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ، فَإِنْ قَبِلَهَا فَهُوَ مَلِكٌ أُقَاتِلُهُ، وَإِنَّ رَدَّهَا تَابَعْتُهُ فَهُوَ نَبِيٌّ. فَلَمَّا دَنَتْ رُسُلُهَا مِنْ سُلَيْمَانَ عَلِمَ خَبَرَهُمْ، فَأَمَرَ الشَّيَاطِينَ فَمَوَّهُوا أَلْفَ قَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، فَلَمَّا رَأَتْ رُسُلُهَا قُصُورَ الذَّهَبِ قَالُوا: مَا يَصْنَعُ هَذَا بِهَدِيَّتِنَا، وَقُصُورُهُ ذَهَبٌ وفضة، فلما دخلوا عليه بهديتها قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ فَقَالَ كَاتِبُ سُلَيْمَانَ: ارْفَعْ بَصَرَكَ فَرَفْعَ بَصَرَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهِ طَرَفُهُ فَإِذَا هُوَ بِسَرِيرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute