للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِعَادَةَ، أَيْ: إِذَا قَدَرَ عَلَى الِابْتِدَاءِ قَدَرَ عَلَى الْإِعَادَةِ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ بِالْمَطَرِ وَالنَّبَاتِ، أَيْ: هُوَ خَيْرٌ أَمْ مَا تَجْعَلُونَهُ شَرِيكًا لَهُ، مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ حَتَّى تجعلوه شريكا له قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أَيْ: حجتكم على أن الله سُبْحَانَهُ شَرِيكًا، أَوْ هَاتُوا حُجَّتَكُمْ أَنَّ ثَمَّ صَانِعًا يَصْنَعُ كَصُنْعِهِ، وَفِي هَذَا تَبْكِيتٌ لَهُمْ، وَتَهَكُّمٌ بِهِمْ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ أَيْ: لَا يعلم أحد من المخلوقات الكائنة في السموات وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ في قوله: إلا الله منقطع، أي: اللَّهَ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَرَفْعُ مَا بَعْدَ إِلَّا مَعَ كَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مُنْقَطِعًا هُوَ عَلَى اللُّغَةِ التَّمِيمِيَّةِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ:

إِلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ «١» وَقِيلَ: إِنَّ فَاعِلَ يَعْلَمُ: هُوَ مَا بعد إلا، ومن في السموات: مفعوله، والغيب بدل من مَنْ: أَيْ لَا يَعْلَمُ غَيْبَ مَنْ فِي السموات وَالْأَرْضِ إِلَّا اللَّهُ، وَقِيلَ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ مِنْ مَنْ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِلَّا اللَّهُ بَدَلٌ مِنْ مَنْ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَإِنَّمَا رُفِعَ مَا بَعْدَ إِلَّا لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا خَبَرٌ، كَقَوْلِهِمْ: مَا ذَهَبَ أَحَدٌ إِلَّا أَبُوكَ، وَهُوَ كَقَوْلِ الزجاج. قال الزجاج: ومن نَصَبَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ أَيْ: لَا يَشْعُرُونَ مَتَى يُنْشَرُونَ مِنَ الْقُبُورِ، وأيان مُرَكَّبَةٌ مِنْ أَيَّ وَإِنَّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ، وَالضَّمِيرُ لِلْكَفَرَةِ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ: إِيَّانَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وهي لغة بني سليم، وهي منصوبة بيبعثون، ومعلقة بيشعرون، فَتَكُونُ هِيَ، وَمَا بَعْدَهَا، فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ: وَمَا يَشْعُرُونَ بِوَقْتِ بَعْثِهِمْ، وَمَعْنَى أَيَّانَ: مَعْنَى مَتَى بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «ادَّارَكَ» وَأَصْلُ ادَّارَكَ تَدَارَكَ، أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ، وَجِيءَ بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ لِيُمْكِنَ الِابْتِدَاءُ بِالسَّاكِنِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَحُمَيْدٌ «بَلْ أَدْرَكَ» من الإدراك. وقرأ عطاء ابن يَسَارٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَالْأَعْمَشُ «بَلَ ادَّرَكَ» بِفَتْحِ لَامِ بَلْ، وَتَشْدِيدِ الدَّالِّ. وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ «بَلْ أَدْرَكَ» عَلَى الِاسْتِفْهَامِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو رَجَاءٍ وَشَيْبَةُ وَالْأَعْمَشُ وَالْأَعْرَجُ «بَلَى ادّراك» بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي بَلْ، وَبِهَمْزَةِ قَطْعٍ، وَتَشْدِيدِ الدَّالِّ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ «بَلْ تَدَارَكَ» وَمَعْنَى الْآيَةِ: بَلْ تَكَامَلَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا كُلَّ مَا وُعِدُوا بِهِ وَعَايَنُوهُ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: تَتَابَعَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَالْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ مَعْنَاهَا كمل عِلْمِهِمْ فِي الْآخِرَةِ مَعَ الْمُعَايَنَةِ، وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُهُمُ الْعِلْمُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُكَذِّبِينَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّهُ عَلَى مَعْنَى الْإِنْكَارِ، وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ: بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ أَيْ: لَمْ يُدْرِكْ عِلْمُهُمْ عِلْمَ الْآخِرَةِ، وَقِيلَ الْمَعْنَى: بَلْ ضَلَّ وَغَابَ علمهم في الآخرة، فليس لهم فيها عِلْمٌ، وَمَعْنَى الْقِرَاءَةِ الثَّالِثَةِ: كَمَعْنَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى، فَافْتَعَلَ، وَتَفَاعَلَ، قَدْ يَجِيئَانِ لِمَعْنًى، وَالْقِرَاءَةُ الرَّابِعَةُ: هِيَ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهُوَ وَجْهٌ حَسَنٌ كَأَنَّهُ وَجَّهَهُ إِلَى الْمُكَذِّبِينَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِهْزَاءِ بِهِمْ، وَفِي الْآيَةِ قِرَاءَاتٌ أُخَرُ، لَا يَنْبَغِي الِاشْتِغَالُ بِذِكْرِهَا وَتَوْجِيهِهَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها أَيْ: بَلْ هُمُ الْيَوْمَ فِي الدُّنْيَا فِي شَكٍّ مِنَ الْآخِرَةِ، ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ فَقَالَ: بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ فَلَا يُدْرِكُونَ شيئا من دلائلها لاختلال بصائرهم


(١) . البيت لعامر بن الحارث وعجزه: وبقر ملمّع كنوس.

<<  <  ج: ص:  >  >>