بالنقصان على العشرة. وقيل المعنى: كَمَا لَا أُطَالِبُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ، لَا أُطَالِبُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَانِيَةِ الْأَعْوَامِ، وَهَذَا أَظْهَرُ. وَأَصْلُ الْعُدْوَانِ: تَجَاوُزُ الْحَدِّ فِي غَيْرِ مَا يَجِبُ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: وَقَدْ عَلِمَ مُوسَى أَنَّهُ لَا عُدْوَانَ عَلَيْهِ إِذَا أَتَمَّهُمَا، وَلَكِنَّهُ جَمَعَهُمَا لِيَجْعَلَ الْأَوَّلَ كَالْأَتَمِّ فِي الْوَفَاءِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ (عُدْوَانَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ. وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ بِكَسْرِهَا وَاللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ أَيْ: عَلَى مَا نَقُولُ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ الْجَارِيَةِ بَيْنَنَا شَاهِدٌ وَحَفِيظٌ، فَلَا سَبِيلَ لِأَحَدِنَا إِلَى الْخُرُوجِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. قِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ مُوسَى، وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِ شُعَيْبٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِوُقُوعِهِ فِي جُمْلَةِ كَلَامِ مُوسَى فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ هُوَ أَكْمَلُهُمَا وَأَوْفَاهُمَا، وَهُوَ الْعَشْرَةُ الْأَعْوَامِ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَحْثِ، وَالْفَاءُ فَصِيحَةٌ وَسارَ بِأَهْلِهِ إِلَى مِصْرَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ يَذْهَبُ بِأَهْلِهِ حَيْثُ شَاءَ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ نَارًا أَيْ: أَبْصَرَ مِنَ الْجِهَةِ الَّتِي تَلِي الطُّورَ نَارًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذَا فِي سُورَةِ طه مُسْتَوْفًى قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ وَهَذَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ أَيْضًا فِي سُورَةِ طه وَفِي سُورَةِ النَّمْلِ أَوْ جَذْوَةٍ قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ بِضَمِّهَا، وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَالسُّلَمِيُّ وَزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ بِفَتْحِهَا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الجذوة والجذوة والجذوة: الجمرة، والجمع جذا وجذا وجذا. قَالَ مُجَاهِدٌ فِي الْآيَةِ: أَنَّ الْجَذْوَةَ قِطْعَةٌ مِنَ الْجَمْرِ فِي لُغَةِ جَمِيعِ الْعَرَبِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هِيَ الْقِطْعَةُ الْغَلِيظَةُ مِنَ الْخَشَبِ كان في طرفها نار أو لم يكن، ومما يُؤَيِّدُ أَنَّ الْجَذْوَةَ: الْجَمْرَةُ قَوْلُ السُّلَمِيِّ:
وَبُدِّلَتْ بَعْدَ الْمِسْكِ وَالْبَانِ شِقْوَةٌ ... دُخَانُ الْجَذَا فِي رَأْسِ أَشْمَطَ شَاحِبِ
لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ أَيْ: تَسْتَدْفِئُونَ بِالنَّارِ فَلَمَّا أَتاها أَيْ: أَتَى النَّارَ الَّتِي أَبْصَرَهَا، وَقِيلَ: أَتَى الشَّجَرَةَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِعَدَمِ تَقَدُّمِ الذِّكْرِ لِلشَّجَرَةِ نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَالْأَيْمَنُ: صِفَةٌ لِلشَّاطِئِ، وَهُوَ مِنَ الْيُمْنِ: وَهُوَ الْبَرَكَةُ، أَوْ مِنْ جِهَةِ الْيَمِينِ الْمُقَابِلِ لِلْيَسَارِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُوسَى، أَيِ: الَّذِي يَلِي يَمِينَهُ دُونَ يَسَارِهِ، وَشَاطِئُ الْوَادِي: طَرَفُهُ، وَكَذَا شَطُّهُ. قَالَ الرَّاغِبُ: وَجَمْعُ الشَّاطِئِ أَشْطَاءٌ، وَقَوْلُهُ: فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مُتَعَلِّقٌ بِنُودِيَ، أَوْ بِمَحْذُوفٍ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الشاطئ، ومِنَ الشَّجَرَةِ بَدَلُ اشْتِمَالِ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ، لِأَنَّ الشَّجَرَةَ كَانَتْ نَابِتَةً عَلَى الشَّاطِئِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يَقُولُ شَاطِئَ الْأَوْدِيَةِ وَلَا يُجْمَعُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ فِي الْبُقْعَةِ بِضَمِّ الْبَاءِ، وَقَرَأَ أَبُو سَلَمَةَ وَالْأَشْهَبُ الْعُقَيْلِيُّ بِفَتْحِهَا، وَهِيَ لُغَةٌ حَكَاهَا أَبُو زيد أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ أَنْ: هِيَ الْمُفَسِّرَةُ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَاسْمُهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَجُمْلَةُ النِّدَاءِ مُفَسِّرَةٌ لَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِكَسْرِ هَمْزَةِ «إِنِّي» عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ أَوْ عَلَى تَضْمِينِ النِّدَاءِ مَعْنَاهُ. وَقُرِئَ بِالْفَتْحِ وَهِيَ قِرَاءَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَقَوْلُهُ: وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ معطوف على أَنْ يا مُوسى وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ فِي طه وَالنَّمْلِ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: فَأَلْقَاهَا فَصَارَتْ ثُعْبَانًا فَاهْتَزَّتْ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ فِي سُرْعَةِ حَرَكَتِهَا مَعَ عِظْمِ جِسْمِهَا وَلَّى مُدْبِراً أَيْ: مُنْهَزِمًا، وَانْتِصَابُ مُدْبِرًا عَلَى الْحَالِ، وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يُعَقِّبْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ أيضا على الحال، أي:
لم يرجع يَا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ هُنَا مُسْتَوْفًى فَلَا نُعِيدُهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute