وَجُمْلَةُ وَهُمْ ظالِمُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: مُسْتَمِرُّونَ عَلَى الظُّلْمِ وَلَمْ يَنْجَعْ فِيهِمْ مَا وَعَظَهُمْ بِهِ نُوحٌ، وَذَكَّرَهُمْ هَذِهِ الْمُدَّةَ بِطُولِهَا فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ أَيْ: أَنْجَيْنَا نُوحًا وَأَنْجَيْنَا مَنْ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَتْبَاعِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي عَدَدِهِمْ عَلَى أَقْوَالٍ وَجَعَلْناها أَيِ: السَّفِينَةَ آيَةً لِلْعالَمِينَ أَيْ:
عِبْرَةً عَظِيمَةً لَهُمْ، وَفِي كَوْنِهَا آيَةً وُجُوهٌ: أَحُدُهَا أَنَّهَا كَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى الْجُودِيِّ مُدَّةً مَدِيدَةً. وَثَانِيهَا: أَنَّ اللَّهَ سَلَّمَ السَّفِينَةَ مِنَ الرِّيَاحِ الْمُزْعِجَةِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْمَاءَ غِيضَ قَبْلَ نَفَاذِ الزَّادِ. وَهَذَا غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِوَصْفِ السَّفِينَةِ بِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهَا آيَةً، وَقِيلَ: إِنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ فِي جَعَلْنَاهَا إِلَى الْوَاقِعَةِ، أَوْ إِلَى النَّجَاةِ، أَوْ إِلَى الْعُقُوبَةِ بِالْغَرَقِ.
وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ انْتِصَابُ إِبْرَاهِيمَ بِالْعَطْفِ عَلَى نُوحًا. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْهَاءِ فِي جَعَلْنَاهَا وَقِيلَ: مَنْصُوبٌ بِمُقَدَّرٍ، أَيْ: وَاذْكُرْ إِبْرَاهِيمَ. وَإِذْ قَالَ: مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، أَيْ: وَأَرْسَلْنَا إِبْرَاهِيمَ وَقْتَ قَوْلِهِ لِقَوْمِهِ: اعْبُدُوا اللَّهَ، أَوْ جَعَلْنَا إِبْرَاهِيمَ آيَةً وَقْتَ قَوْلِهِ هَذَا، أَوْ وَاذْكُرْ إِبْرَاهِيمَ وَقْتَ قَوْلِهِ، عَلَى أَنَّ الظَّرْفَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ إِبْرَاهِيمَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ أَيْ: أَفْرِدُوهُ بِالْعِبَادَةِ وَخُصُّوهُ بِهَا وَاتَّقُوهُ أَنْ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ أَيْ: عِبَادَةُ اللَّهِ وَتَقْوَاهُ خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ، وَلَا خَيْرَ فِي الشِّرْكِ أَبَدًا، وَلَكِنَّهُ خَاطَبَهُمْ بِاعْتِبَارِ اعْتِقَادِهِمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ شَيْئًا مِنَ الْعِلْمِ، أَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمًا تُمَيِّزُونَ بِهِ بَيْنَ مَا هُوَ خَيْرٌ، وَمَا هُوَ شَرٌّ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «وَإِبْرَاهِيمَ» بِالنَّصْبِ، وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْنَا. وَقَرَأَ النَّخَعِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مُقَدَّرٌ، أَيْ: وَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِبْرَاهِيمُ إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً بَيَّنَ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ مَا لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ، وَلَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، وَالْأَوْثَانُ: هِيَ الْأَصْنَامُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الصَّنَمُ مَا يُتَّخَذُ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ نُحَاسِ، وَالْوَثَنُ: مَا يُتَّخَذُ مِنْ جَصٍّ أَوْ حِجَارَةٍ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْوَثَنُ:
الصَّنَمُ، وَالْجَمْعُ: أَوْثَانٌ وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً أَيْ: وَتَكْذِبُونَ كَذِبًا عَلَى أَنَّ مَعْنَى تَخْلُقُونَ تَكْذِبُونَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: تَعْمَلُونَ وَتَنْحِتُونَ، أَيْ: تَعْمَلُونَهَا وَتَنْحِتُونَهَا لِلْإِفْكِ. قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَى تَخْلُقُونَ تَنْحِتُونَ، أَيْ: إِنَّمَا تَعْبُدُونَ أَوْثَانًا، وَأَنْتُمْ تَصْنَعُونَهَا. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «تَخْلُقُونَ» بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الخاء، وضم اللام مضارع خلق، وإفكا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ. وَقَرَأَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالسُّلَمِيُّ، وَقَتَادَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَاللَّامُ مُشَدَّدَةٌ، وَالْأَصْلُ تَتَخَلَّقُونَ. وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَهُ قَرَأَ بِضَمِّ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ مَكْسُورَةً. وَقَرَأَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَفُضَيْلُ بْنُ وَرْقَانَ «أَفِكًا» بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَهُوَ مَصْدَرٌ كَالْكَذِبِ، أَوْ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: خَلْقًا أَفِكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً أَيْ:
لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَرْزُقُوكُمْ شَيْئًا مِنَ الرِّزْقِ فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ أَيِ: اصْرِفُوا رَغْبَتَكُمْ فِي أَرْزَاقِكُمْ إِلَى اللَّهِ، فَهُوَ الَّذِي عِنْدَهُ الرِّزْقُ كُلُّهُ، فَاسْأَلُوهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَوَحِّدُوهُ دُونَ غَيْرِهِ وَاشْكُرُوا لَهُ أَيْ: عَلَى نَعْمَائِهِ، فَإِنَّ الشُّكْرَ مُوجِبٌ لِبَقَائِهَا وَسَبَبٌ لِلْمَزِيدِ عَلَيْهَا، يُقَالُ شَكَرْتُهُ، وَشَكَرْتُ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ بِالْمَوْتِ ثُمَّ بِالْبَعْثِ لَا إِلَى غَيْرِهِ وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ قِيلَ: هَذَا مِنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ، أَيْ:
وَإِنْ تُكَذِّبُونِي فَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ لِغَيْرِي مِمَّنْ قَبْلَكُمْ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: أَيْ: وَإِنْ تُكَذِّبُوا مُحَمَّدًا فَذَلِكَ عَادَةُ الْكُفَّارِ مَعَ مَنْ سَلَفَ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ لقومه الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ، وَلَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute