صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا» وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ. وَالْيُسْرُ السَّهْلُ الَّذِي لَا عُسْرَ فِيهِ.
وَقَوْلُهُ: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ أَيْ: يُرِيدُ بِكُمُ الْيُسْرَ، وَيُرِيدُ إِكْمَالَكُمْ لِلْعِدَّةِ، وَتَكْبِيرَكُمْ وَقِيلَ: إِنَّهُ مُتَعَلِّقٍ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: رَخَّصَ لَكُمْ هَذِهِ الرُّخْصَةَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، وَشَرَعَ لَكُمُ الصَّوْمَ لِمَنْ شَهِدَ الشَّهْرَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ. وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى الْأَوَّلِ الْبَصْرِيُّونَ قَالُوا:
وَالتَّقْدِيرُ: يُرِيدُ لِأَنْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، وَمِثْلُهُ: قول كثيّر أبو صَخْرٍ:
أُرِيدُ لِأَنْسَى ذِكْرَهَا فَكَأَنَّمَا ... تَمَثَّلَ لِي لَيْلَى بِكُلِّ سَبِيلِ
وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى الثَّانِي وَقِيلَ: الْوَاوُ مُقْحَمَةٌ، وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ اللَّامَ لَامُ الْأَمْرِ، وَالْوَاوَ لِعَطْفِ الْجُمْلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبِلَهَا. وَقَالَ فِي الْكَشَّافِ: إِنَّ قَوْلَهُ: لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ عِلَّةٌ لِلْأَمْرِ بِمُرَاعَاةِ الْعِدَّةِ وَلِتُكَبِّرُوا عِلَّةُ مَا عُلِمَ مِنْ كَيْفِيَّةِ الْقَضَاءِ وَالْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْفِطْرِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ عِلَّةُ التَّرْخِيصِ وَالتَّيْسِيرِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّكْبِيرِ هُنَا: هُوَ قَوْلُ الْقَائِلِ: اللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ الْجُمْهُورُ: وَمَعْنَاهُ الْحَضُّ عَلَى التَّكْبِيرِ فِي آخِرِ رَمَضَانَ. وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي وَقْتِهِ، فَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُكَبِّرُونَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ، وَقِيلَ: إِذَا رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ كَبَّرُوا إِلَى انْقِضَاءِ الْخُطْبَةِ، وَقِيلَ: إِلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ وَقِيلَ: هُوَ التَّكْبِيرُ يَوْمَ الْفِطْرِ. قَالَ مَالِكٌ:
هُوَ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ دَارِهِ إِلَى أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُكَبِّرُ فِي الْأَضْحَى وَلَا يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ. وَقَوْلُهُ: وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَابْنُ عَدِيٍّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا:
«لَا تَقُولُوا: رَمَضَانَ، فَإِنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَكِنْ قُولُوا شَهْرُ رَمَضَانَ» . وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:
«مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ:
رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ» . وَقَالَ: «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ» وَهَذَا كُلُّهُ فِي الصَّحِيحِ. وَثَبَتَ عَنْهُ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ غَيْرَ هَذِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: رَمَضَانُ، بِدُونِ ذِكْرِ الشَّهْرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْأَصْبِهَانِيُّ فِي التَّرْغِيبِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ رَمَضَانَ لِأَنَّ رَمَضَانَ يَرْمِضُ الذُّنُوبَ» .
وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ. وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِ رَمَضَانَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ وَاثُلَّةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الزَّبُورُ لِثَمَانِي عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ» .
وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرٍ مِثْلَهُ، لَكِنَّهُ قَالَ: «وأنزل الزّبور لاثني عشر» وزاد: «وأنزلت التَّوْرَاةَ لَسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ لِثَمَانِي عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ» . وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَ قَوْلِ جَابِرٍ، إِلَّا أَنَّهَا لَمْ تَذْكُرْ نُزُولَ الْقُرْآنِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، وَابْنُ أَبِي