وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها أَيْ: لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْهُ لِكَوْنِهِ سَمِعَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَا يُوجِبُ الْإِقْبَالَ عَلَى الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ، فَجَعَلَ الْإِعْرَاضَ مَكَانَ ذَلِكَ، وَالْمَجِيءُ بِثُمَّ لِلدَّلَالَةِ عَلَى اسْتِبْعَادِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ أَيْ: مِنْ أَهْلِ الْإِجْرَامِ عَلَى الْعُمُومِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا نَسِيناكُمْ قَالَ:
تَرَكْنَاكُمْ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْهُ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي شَأْنِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً أَيْ: أَتَوْهَا وَسَبَّحُوا أَيْ: صَلُّوا بِأَمْرِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ إِتْيَانِ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَاتِ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ نَزَلَتْ فِي انْتِظَارِ الصَّلَاةِ الَّتِي تُدْعَى الْعَتَمَةَ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ قَالَ:
نَزَلَتْ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْآيَةِ قَالَ:
كَانُوا لَا يَنَامُونَ حَتَّى يُصَلُّوا الْعِشَاءَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نَجْتَنِبُ الْفَرْشَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الْمُصَنَّفِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاقِدًا قَطُّ قَبْلَ الْعِشَاءِ، وَلَا مُتَحَدِّثًا بَعْدَهَا، فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ لَا يَنَامُونَ قَبْلَ الْعِشَاءِ فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ. فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ جَعَلَ الرَّجُلُ يَعْتَزِلُ فِرَاشَهُ مَخَافَةَ أَنْ تَغْلِبَهُ عَيْنُهُ، فَوَقْتُهَا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ الصَّغِيرُ، وَيَكْسَلَ الْكَبِيرُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ بِلَالٍ قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ الْعِشَاءَ، تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ. وَأَخْرَجَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ، وَابْنُ عَدِيٍّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ قَالَ: كَانُوا يَنْتَظِرُونَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يُصَلُّونَ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ معاذ ابن جبل عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي قَوْلِهِ تَتَجافى جُنُوبُهُمْ قَالَ: قِيَامُ الْعَبْدِ مِنَ اللَّيْلِ» . وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَه، وَابْنُ نَصْرٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشعب عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ حَدِيثًا وَأَرْشَدَ فِيهِ إِلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الطَّاعَاتِ وَقَالَ فِيهِ: «وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَرَأَ تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فِي حَدِيثٍ قَالَ فِيهِ: «وَصَلَاةُ الْمَرْءِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: كَانَ لَا تَمُرُّ عَلَيْهِمْ لَيْلَةٌ إِلَّا أَخَذُوا مِنْهَا. وَأَخْرَجَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: «إِذَا حُشِرَ النَّاسُ نَادَى مُنَادٍ: هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ أَيْنَ الَّذِينَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ» الْحَدِيثَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute