لَهَا بِالتَّطْهِيرِ تَنْفِيرٌ عَنْهَا بَلِيغٌ، وَزَجْرٌ لِفَاعِلِهَا شَدِيدٌ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَهْلِ الْبَيْتِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَعَطَاءٌ، وَالْكَلْبِيُّ، وَمُقَاتِلٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ هُنَّ زوجات النبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ خَاصَّةً. قَالُوا: وَالْمُرَادُ بِالْبَيْتِ بَيْتُ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ وَمَسَاكِنُ زَوْجَاتِهِ لِقَوْلِهِ: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ. وَأَيْضًا السِّيَاقُ فِي الزَّوْجَاتِ مِنْ قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِلَى قَوْلِهِ: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَرُوِيَ عَنْ الْكَلْبِيِّ أَنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ هُمْ عَلِيٌّ، وَفَاطِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ خَاصَّةً، وَمِنْ حُجَجِهِمُ الْخِطَابُ فِي الْآيَةِ بِمَا يَصْلُحُ لِلذُّكُورِ لَا للإناث، وهو قوله: عَنْكُمُ ول يُطَهِّرَكُمْ وَلَوْ كَانَ لِلنِّسَاءِ خَاصَّةً لَقَالَ عَنْكُنَّ وَيُطَهِّرُكُنَّ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذَا أَنَّ التَّذْكِيرَ بِاعْتِبَارِ لَفْظِ الْأَهْلِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ
«١» وَكَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ: كَيْفَ أَهْلُكَ؟ يُرِيدُ زَوْجَتَهُ أَوْ زَوْجَاتِهِ، فَيَقُولُ: هُمْ بِخَيْرٍ.
وَلْنَذْكُرْ هَاهُنَا مَا تَمَسَّكَ بِهِ كُلُّ فَرِيقٍ: أَمَّا الْأَوَّلُونَ فَتَمَسَّكُوا بِالسِّيَاقِ، فَإِنَّهُ فِي الزَّوْجَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَبِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ قَالَ: نَزَلَتْ فِي نِسَاءِ النبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ خَاصَّةً. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عِكْرِمَةَ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عُرْوَةَ نَحْوَهُ.
وَأَمَّا مَا تَمَسَّكَ بِهِ الْآخَرُونَ، فَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: فِي بَيْتِي نَزَلَتْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وفي البيت فاطمة وعليّ والحسن والحسين، فحللهم رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ بِكِسَاءٍ كَانَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي بَيْتِهَا عَلَى مَنَامِهِ لَهُ عَلَيْهِ كِسَاءٌ خَيْبَرِيٌّ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ بِبُرْمَةٍ فِيهَا خَزِيرَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادْعِي زَوْجَكِ وَابْنَيْكِ حَسَنًا وَحُسَيْنًا، فَدَعَتْهُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَأْكُلُونَ، إِذْ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ بِفَضْلَةِ كِسَائِهِ فَغَشَّاهُمْ إِيَّاهَا، ثُمَّ أَخْرَجَ يَدَهُ مِنَ الْكِسَاءِ وَأَلْوَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَخَاصَّتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسِ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا، قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَأَدْخَلْتُ رَأْسِي فِي السِّتْرِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا مَعَكُمْ؟ فَقَالَ: «إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ» مَرَّتَيْنِ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِهَا قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ أُمَّ سَلَمَةَ تَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ. وَفِي إِسْنَادِهِ مَجْهُولٌ وَهُوَ شَيْخُ
(١) . هود: ٧٣.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute