إِلَى عِبَادِهِ وَبَلَّغُوا رِسَالَاتِهِ، وَهُوَ مِنَ السَّلَامِ الَّذِي هُوَ التَّحِيَّةُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَمْنٌ لَهُمْ وَسَلَامَةٌ مِنَ الْمَكَارِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ إِرْشَادٌ لِعِبَادِهِ إِلَى حَمْدِهِ عَلَى إِرْسَالِ رُسُلِهِ إِلَيْهِمْ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَتَعْلِيمٌ لَهُمْ كَيْفَ يَصْنَعُونَ عِنْدَ إِنْعَامِهِ عَلَيْهِمْ، وَمَا يُثْنُونَ عَلَيْهِ بِهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ الْحَمْدُ عَلَى هَلَاكِ الْمُشْرِكِينَ وَنَصْرِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمْ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ حَمْدٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى كُلِّ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَى خَلْقِهِ أَجْمَعِينَ كَمَا يُفِيدُهُ حَذْفُ الْمَحْمُودِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ حَذْفَهُ مُشْعِرٌ بِالتَّعْمِيمِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي، وَالْحَمْدُ: هُوَ الثَّنَاءُ الْجَمِيلُ بِقَصْدِ التَّعْظِيمِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً قَالَ: زَعَمَ أَعْدَاءُ اللَّهِ أَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هُوَ وَإِبْلِيسُ أَخَوَانِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ قَالَ:
فَإِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُشْرِكِينَ وَمَا تَعْبُدُونَ: يَعْنِي الْآلِهَةَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ قَالَ: بِمُضِلِّينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ يَقُولُ: إِلَّا مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِي أَنَّهُ سَيَصْلَى الْجَحِيمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْآيَةِ يَقُولُ: إِنَّكُمْ لَا تَضِلُّونَ أَنْتُمْ وَلَا أُضِلُّ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ قَضَيْتُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَالِ الْجَحِيمِ. وأخرج عبد ابن حُمَيْدٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْآيَةِ قَالَ: لَا تُفْتَنُونَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ. وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا فِي السَّمَاءِ مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ، وَذَلِكَ قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ:
وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ» . وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ: «أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ، ثُمَّ قَرَأَ: وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ» .
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالْفِرْيَابِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «إن من السموات لَسَمَاءٌ مَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ جَبْهَةُ مَلَكٍ أَوْ قَدَمَاهُ قَائِمًا أَوْ سَاجِدًا، ثُمَّ قَرَأَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، إِنَّ السَّمَاءَ أَطَّتْ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ» . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ أَمَرَ الصَّحَابَةَ أَنْ يَصُفُّوا كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةَ عِنْدَ رَبِّهِمْ، فَقَالُوا: وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ: يُقِيمُونَ الصُّفُوفَ الْمُقَدَّمَةَ «١» ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ قَالَ: لَمَّا جَاءَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ذِكْرُ الْأَوَّلِينَ، وَعِلْمُ الآخرين كفروا بالكتاب
(١) . في صحيح مسلم (٤٣٠) : يتمون الصفوف الأول.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute