قَوْلُهُ: حم قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِفَتْحِ الْحَاءِ مُشْبَعًا، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِإِمَالَتِهِ إِمَالَةً مَحْضَةً. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِإِمَالَتِهِ بَيْنَ بَيْنَ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ حم بِسُكُونِ الْمِيمِ كَسَائِرِ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ بِضَمِّهَا عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ أَوْ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَا بَعْدَهُ. وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ الثَّقَفِيُّ بِفَتْحِهَا عَلَى أَنَّهَا مَنْصُوبَةٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ أَوْ عَلَى أَنَّهَا حَرَكَةُ بِنَاءٍ لَا حَرَكَةُ إِعْرَابٍ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وأبو السمال بِكَسْرِهَا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، أَوْ بِتَقْدِيرِ الْقَسَمِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِوَصْلِ الْحَاءِ بِالْمِيمِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ بِقَطْعِهَا.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، وَقِيلَ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالْكِسَائِيُّ: مَعْنَاهُ قَضَى، وَجَعَلَاهُ بِمَعْنَى حُمَّ: أَيْ قُضِيَ وَوَقَعَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ حُمَّ أَمْرُ اللَّهِ، أَيْ: قَرُبَ نَصْرُهُ لِأَوْلِيَائِهِ، وَانْتِقَامُهُ مِنْ أَعْدَائِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ تَكَلُّفٌ لَا مُوجِبَ لَهُ، وَتَعَسُّفٌ لَا مُلْجِئَ إِلَيْهِ، والحق أن هذه الفاتحة لهذه السورة، وَأَمْثَالِهَا مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِ مَعْنَاهُ كَمَا قَدَّمْنَا تَحْقِيقَهُ فِي فَاتِحَةِ سُورَةِ البقرة. تَنْزِيلُ الْكِتابِ هو خبر لحم عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ، أَوْ: خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ، أَوْ: هُوَ مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ: مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ قال الرازي: المراد بتنزيل: الْمُنَزَّلُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَيْسَ بِكَذِبٍ عَلَيْهِ.
وَالْعَزِيزُ: الْغَالِبُ الْقَاهِرُ، وَالْعَلِيمُ: الْكَثِيرُ الْعِلْمِ بِخَلْقِهِ، وَمَا يَقُولُونَهُ وَيَفْعَلُونَهُ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ قَالَ الْفَرَّاءُ: جَعَلَهَا كَالنَّعْتِ لِلْمَعْرِفَةِ، وَهِيَ نَكِرَةٌ، وَوَجْهُ قَوْلِهِ هَذَا أَنَّ إِضَافَتَهَا لَفْظِيَّةٌ، وَلَكِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ إِضَافَتُهَا مَعْنَوِيَّةً، كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَنَّ كُلَّ مَا إِضَافَتُهُ غَيْرُ مَحْضَةٍ يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ مَحْضَةً، وَتُوصَفُ بِهِ الْمَعَارِفُ إِلَّا الصِّفَةَ الْمُشَبَّهَةَ. وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ فَلَمْ يَسْتَثْنُوا شَيْئًا بَلْ جَعَلُوا الصِّفَةَ الْمُشَبَّهَةَ كَاسْمِ الْفَاعِلِ فِي جَوَازِ جَعْلِهَا إِضَافَةً مَحْضَةً، وَذَلِكَ حَيْثُ لَا يُرَادُ بِهَا زَمَانٌ مَخْصُوصٌ، فَيُجَوِّزُونَ فِي شَدِيدِ هُنَا أَنْ تَكُونَ إِضَافَتُهُ مَحْضَةً.
وَعَلَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ لَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ بِمُشَدَّدٍ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثَ مَخْفُوضَةٌ عَلَى الْبَدَلِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ غَافِرَ، وَقَابِلَ: مخفوضين على الوصف، وشديد: مخفوض عَلَى الْبَدَلِ، وَالْمَعْنَى: غَافِرِ الذَّنْبِ لِأَوْلِيَائِهِ، وَقَابِلِ تَوْبَتِهِمْ، وَشَدِيدِ الْعِقَابِ لِأَعْدَائِهِ، وَالتَّوْبُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّوْبَةِ مِنْ تَابَ يَتُوبُ تَوْبَةً وَتَوْبًا، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ تَوْبَةٍ، وَقِيلَ: غَافِرِ الذَّنْبِ لِمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَابِلِ التَّوْبِ مِنَ الشِّرْكِ، وَشَدِيدِ الْعِقَابِ لِمَنْ لَا يُوَحِّدُهُ، وَقَوْلُهُ: ذِي الطَّوْلِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً، لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ وَأَنْ يَكُونَ بَدَلًا، وَأَصْلُ الطَّوْلِ:
الْإِنْعَامُ وَالتَّفَضُّلُ، أَيْ: ذِي الْإِنْعَامِ عَلَى عِبَادِهِ، وَالتَّفَضُّلِ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ذِي الْغِنَى وَالسَّعَةِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا «١» أَيْ: غِنًى وَسَعَةً، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: ذِي الطَّوْلِ ذي المنّ. قال
(١) . النساء: ٢٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute