للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَضَمِّ الدَّالِ مُنَوَّنًا عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مَعْطُوفٌ عَلَى سُوءِ عَمَلِهِ: أَيْ: زَيَّنَ لَهُ الشَّيْطَانُ سُوءَ الْعَمَلِ وَالصَّدِّ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ التَّبَابُ: الْخَسَارُ وَالْهَلَاكُ وَمِنْهُ تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ «١» ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ الْمُؤْمِنَ أَعَادَ التَّذْكِيرَ وَالتَّحْذِيرَ كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَقالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ أَيِ: اقْتَدُوا بِي فِي الدِّينِ أَهْدِكُمْ طَرِيقَ الرَّشَادِ، وَهُوَ الْجَنَّةُ، وَقِيلَ: هَذَا مِنْ قَوْلِ مُوسَى، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَقَرَأَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ «الرَّشَّادِ» بِتَشْدِيدِ الشِّينِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي قَوْلِ فِرْعَوْنَ وَوَقَعَ فِي الْمُصْحَفِ اتَّبِعُونِ بِدُونِ يَاءٍ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو، وَنَافِعٌ بِحَذْفِهَا فِي الْوَقْفِ، وَإِثْبَاتِهَا فِي الْوَصْلِ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ، وَابْنُ كَثِيرٍ بِإِثْبَاتِهَا وَصْلًا وَوَقْفًا، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِحَذْفِهَا وَصْلًا، وَوَقْفًا فَمَنْ أَثْبَتَهَا فَعَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ، وَمَنْ حَذَفَهَا فَلِكَوْنِهَا حُذِفَتْ في المصحف يَا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ يَتَمَتَّعُ بِهَا أَيَّامًا، ثُمَّ تَنْقَطِعُ وَتَزُولُ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ أَيِ: الِاسْتِقْرَارُ لِكَوْنِهَا دَائِمَةً لَا تَنْقَطِعُ وَمُسْتَمِرَّةً لَا تَزُولُ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها أَيْ: مَنْ عَمِلَ فِي دَارِ الدُّنْيَا مَعْصِيَةً مِنَ الْمَعَاصِي كَائِنَةً مَا كَانَتْ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَلَا يُعَذَّبُ إِلَّا بِقَدْرِهَا، وَالظَّاهِرُ شُمُولُ الْآيَةِ لِكُلِّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّيِّئَةِ، وَقِيلَ: هِيَ خَاصَّةٌ بِالشِّرْكِ، وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ أي: من عمل صَالِحًا مَعَ كَوْنِهِ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ، وَبِمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْإِيمَانِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ أَيْ: بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ، وَمُحَاسَبَةٍ. قَالَ مُقَاتِلٌ: يَقُولُ لَا تَبِعَةَ عَلَيْهِمْ فِيمَا يُعْطَوْنَ فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ، وَقِيلَ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ، هُوَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «يَدْخُلُونَ» بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَيَعْقُوبُ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِضَمِّهَا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ دَأْبِ قَالَ: مِثْلَ حَالِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ قَالَ: هُمُ الْأَحْزَابُ: قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ قَالَ: رُؤْيَا يُوسُفَ، وَفِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ قَالَ يَهُودٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا فِي تَبابٍ قَالَ: خُسْرَانٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ قَالَ: الدُّنْيَا جُمْعَةٌ مِنْ جُمَعِ الْآخِرَةِ سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَلَيْسَ مِنْ مَتَاعِهَا شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنَ الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ، الَّتِي إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا سَرَّتْكَ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَا حفظتك في نفسها ومالك» .


(١) . المسد: ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>