لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ عَادًا وَثَمُودَ إِجْمَالًا ذَكَرَ مَا يَخْتَصُّ بِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ تَفْصِيلًا، فَقَالَ: فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أَيْ: تَكَبَّرُوا عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ، وَاسْتَعْلَوْا عَلَى مَنْ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، أَيْ: بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُمْ مِنَ التَّكَبُّرِ وَالتَّجَبُّرِ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ بَعْضَ مَا صَدَرَ عَنْهُمْ مِنَ الْأَقْوَالِ الدَّالَّةِ عَلَى الِاسْتِكْبَارِ فَقَالَ: وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً وَكَانُوا ذَوِي أَجْسَامٍ طِوَالٍ وَقُوَّةٍ شَدِيدَةٍ، فَاغْتَرُّوا بِأَجْسَامِهِمْ حِينَ تَهَدَّدَهُمْ هُودٌ بِالْعَذَابِ، وَمُرَادُهُمْ بِهَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَى دَفْعِ مَا يَنْزِلُ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَالِاسْتِفْهَامُ لِلِاسْتِنْكَارِ عَلَيْهِمْ، وللتوبيخ لهم، أي: أو لم يَعْلَمُوا بِأَنَّ اللَّهَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُدْرَةً، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْزِلَ بِهِمْ مِنْ أَنْوَاعِ عِقَابِهِ مَا شَاءَ بِقَوْلِهِ كُنْ فَيَكُونُ وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ أَيْ: بِمُعْجِزَاتِ الرُّسُلِ الَّتِي خَصَّهُمُ اللَّهُ بِهَا وَجَعَلَهَا دَلِيلًا عَلَى نُبُوَّتِهِمْ، أَوْ بِآيَاتِنَا الَّتِي أَنْزَلْنَاهَا عَلَى رُسُلِنَا، أَوْ بِآيَاتِنَا التَّكْوِينِيَّةِ الَّتِي نَصَبْنَاهَا لَهُمْ، وَجَعَلْنَاهَا حُجَّةً عَلَيْهِمْ، أَوْ بِجَمِيعِ ذَلِكَ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ عَذَابِهِ، فَقَالَ: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً الصَّرْصَرُ: الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ الصَّوْتِ مِنَ الصِّرَّةِ، وَهِيَ الصَّيْحَةُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَى صَرْصَرٍ: شَدِيدَةٌ عَاصِفَةٌ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ الْبَارِدَةُ تُحْرِقُ كَمَا تُحْرِقُ النَّارُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةُ: هِيَ الْبَارِدَةُ، وَأَنْشَدَ قُطْرُبٌ قَوْلَ الْحُطَيْئَةِ:
الْمُطْعِمُونَ إِذَا هَبَّتْ بِصَرْصَرَةٍ ... وَالْحَامِلُونَ إِذَا اسْتَوْدَوْا عَنِ النَّاسِ
أَيْ: إِذَا سُئِلُوا الدِّيَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الشَّدِيدَةُ السَّمُومِ، وَالْأَوْلَى تَفْسِيرُهَا بِالْبَرْدِ، لِأَنَّ الصِّرَّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: البرد، ومنه قول الشاعر:
لها عذر كقرون النّساء ... رُكِّبْنَ فِي يَوْمِ رِيحٍ وَصَرِّ
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: صَرْصَرٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الصِّرِّ وَهُوَ الْبَرْدُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ صَرْصَرَ الْبَابَ، وَمِنَ الصَّرَّةِ: وَهِيَ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَقْتَ نُزُولِ ذَلِكَ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ أَيْ: مَشْؤُومَاتٍ ذَوَاتِ نُحُوسٍ. قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: كُنَّ آخِرَ شَوَّالٍ مِنْ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ إِلَى يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ، وَذَلِكَ سَبْعُ لَيَالٍ، وَثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ حُسُومًا، وَقِيلَ: نَحِسَاتٌ: بَارِدَاتٌ، وَقِيلَ:
مُتَتَابِعَاتٌ، وَقِيلَ: شِدَادٌ، وَقِيلَ: ذَوَاتُ غُبَارٍ. قَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو نَحِساتٍ بِإِسْكَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute