كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ. وَاخْتُلِفَ فِي: النَّاسِ، الْمَذْكُورِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَنْ هُمْ؟ فَقِيلَ:
هُمْ بَنُو آدَمَ حِينَ أَخْرَجَهُمُ اللَّهُ نَسَمًا مِنْ ظَهْرِ آدَمَ وَقِيلَ: آدَمُ وَحْدَهُ، وَسُمِّي: نَاسًا، لِأَنَّهُ أَصْلُ النَّسْلِ وَقِيلَ: آدَمُ وَحَوَّاءُ وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْقُرُونُ الْأُولَى الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ وَقِيلَ: الْمُرَادُ نُوحٌ وَمَنْ فِي سَفِينَتِهِ وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً كُلُّهُمْ كُفَّارٌ فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ وَقِيلَ: الْمُرَادُ: الْإِخْبَارُ عَنِ النَّاسِ الَّذِينَ هُمُ الْجِنْسُ كُلُّهُ، أَنَّهُمْ كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً فِي خُلُوِّهِمْ عَنِ الشَّرَائِعِ، وَجَهْلِهِمْ بِالْحَقَائِقِ، لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ. وَالْأُمَّةُ: مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ أَمَمْتُ الشَّيْءَ، أَيْ: قَصَدْتُهُ، أَيْ: مَقْصِدُهُمْ وَاحِدٌ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ. قَوْلُهُ: فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ قِيلَ: جُمْلَتُهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، وَالرُّسُلُ مِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ. وَقَوْلُهُ: مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ بِالنَّصْبِ عَلَى الحال. قوله: وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ أَيِ:
الْجِنْسَ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: إِنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْعَهْدِ، وَالْمُرَادُ: التَّوْرَاةُ. وَقَوْلُهُ: لِيَحْكُمَ مُسْنَدٌ إِلَى الْكِتَابِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ مَجَازٌ، مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ «١» وَقِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى لِيَحْكُمَ كُلُّ نَبِيٍّ بِكِتَابِهِ وَقِيلَ: لِيَحْكُمَ اللَّهُ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: فِيهِ الْأُولَى، رَاجِعٌ إِلَى مَا فِي قَوْلِهِ: فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْكِتَابِ، وَيُحْتَمَلَ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْمَنْزِلِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْحَقِّ. وَقَوْلُهُ: إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ أَيْ: أُوتُوا الْكِتَابَ، أَوْ أُوتُوا الْحَقَّ، أَوْ أُوتُوا النَّبِيَّ: أَيْ: أُعْطَوْا عِلْمَهُ. وَقَوْلُهُ: بَغْياً بَيْنَهُمْ مُنْتَصِبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ أَيْ: لَمْ يَخْتَلِفُوا إِلَّا لِلْبَغْيِ، أَيِ: الْحَسَدِ وَالْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا، وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى السَّفَهِ فِي فِعْلِهِمْ، وَالْقَبِيحِ الَّذِي وَقَعُوا فِيهِ، لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا نُزُولَ الْكِتَابِ سَبَبًا فِي شِدَّةِ الْخِلَافِ. وَقَوْلُهُ:
فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ أَيْ: فَهَدَى اللَّهُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَى الْحَقِّ، وَذَلِكَ بِمَا بَيَّنَهُ لَهُمْ فِي الْقُرْآنِ مِنِ اخْتِلَافِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَهَدَى اللَّهُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لِلتَّصْدِيقِ، بِجَمِيعِ الْكُتُبِ بِخِلَافِ مَنْ قَبْلَهُمْ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ كَذَّبَ كِتَابَ بَعْضٍ وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ هَدَاهُمْ إِلَى الْحَقِّ مِنَ الْقِبْلَةِ وَقِيلَ:
هَدَاهُمْ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقِيلَ: هَدَاهُمْ لِاعْتِقَادِ الْحَقِّ فِي عِيسَى بَعْدَ أَنْ كَذَّبَتْهُ الْيَهُودُ وَجَعَلَتْهُ النَّصَارَى رَبًّا وَقِيلَ:
الْمُرَادُ بِالْحَقِّ: الْإِسْلَامُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّ فِي الْآيَةِ قَلْبًا، وَتَقْدِيرُهُ: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْحَقِّ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَقَوْلُهُ: بِإِذْنِهِ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ: بِعِلْمِهِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا غَلَطٌ، وَالْمَعْنَى: بِأَمْرِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ قَالَ: هُمُ الْيَهُودُ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ وَمَا لَمْ يَذْكُرْ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ قَالَ: يُكَفِّرُهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: آتَاهُمُ اللَّهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ: عَصَا مُوسَى، وَيَدُهُ، وَأَقْطَعَهُمُ الْبَحْرَ، وَأَغْرَقَ عدوّهم وهم ينظرون، وظلّل عليهم الْغَمَامِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ يَقُولُ:
مَنْ يَكْفُرُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا قَالَ: الْكُفَّارُ يَبْتَغُونَ الدُّنْيَا وَيَطْلُبُونَهَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي طلبهم
(١) . الجاثية: ٢٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute