للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَ تَشْدِيدِ الطَّاءِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ، وَابْنُ وثاب: «يكاد» يَتَفَطَّرْنَ بِالتَّحْتِيَّةِ فِيهِمَا، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو، وَالْمُفَضَّلُ، وأبو بكر، وأبو عبيد، «ينفطرن» بِالتَّحْتِيَّةِ وَالنُّونِ مِنَ الِانْفِطَارِ كَقَوْلِهِ: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ «١» وَالتَّفَطُّرُ: التَّشَقُّقُ. قَالَ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: يَتَفَطَّرْنَ يَتَشَقَّقْنَ مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ مِنْ فَوْقِهِنَّ.

وَقِيلَ الْمَعْنَى: تَكَادُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا تَتَفَطَّرُ فَوْقَ الَّتِي تَلِيهَا مِنْ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، وَقِيلَ مِنْ فَوْقِهِنَّ: مِنْ فَوْقِ الْأَرَضِينَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَمِنْ فِي «مِنْ فَوْقِهِنَّ» لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ: أَيْ: يَبْتَدِئُ التَّفَطُّرُ مِنْ جِهَةِ الْفَوْقِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ الصَّغِيرُ: إِنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إِلَى جَمَاعَاتِ الْكُفَّارِ، أَيْ: مِنْ فَوْقِ جَمَاعَاتِ الْكُفَّارِ وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا، وَوَجْهُ تَخْصِيصِ جِهَةِ الْفَوْقِ أَنَّهَا أَقْرَبُ إِلَى الْآيَاتِ الْعَظِيمَةِ، وَالْمَصْنُوعَاتِ الْبَاهِرَةِ، أَوْ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ كَأَنَّ كَلِمَةَ الْكُفَّارِ مَعَ كَوْنِهَا جَاءَتْ مِنْ جِهَةِ التَّحْتِ أَثَّرَتْ فِي جِهَةِ الْفَوْقِ، فَتَأْثِيرُهَا فِي جِهَةِ التَّحْتِ بِالْأَوْلَى وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ أَيْ: يُنَزِّهُونَهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مُتَلَبِّسِينَ بِحَمْدِهِ. وَقِيلَ: إِنَّ التَّسْبِيحَ مَوْضُوعٌ مَوْضِعَ التَّعَجُّبِ، أَيْ: يَتَعَجَّبُونَ مِنْ جَرَاءَةِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى اللَّهِ. وَقِيلَ مَعْنَى: بِحَمْدِ رَبِّهِمْ بِأَمْرِ رَبِّهِمْ قَالَهُ السُّدِّيُّ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ. كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا «٢» وَقِيلَ: الِاسْتِغْفَارُ مِنْهُمْ بِمَعْنَى السَّعْيِ فِيمَا يَسْتَدْعِي الْمَغْفِرَةَ لَهُمْ، وَتَأْخِيرَ عُقُوبَتِهِمْ طَمَعًا فِي إِيمَانِ الْكَافِرِ، وَتَوْبَةِ الْفَاسِقِ فَتَكُونُ الْآيَةُ عَامَّةً كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ غَيْرَ خَاصَّةٍ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ كَانُوا دَاخِلِينَ فِيهَا دُخُولًا أَوَّلِيًّا أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ أَيْ: كَثِيرُ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، أَوْ لِجَمِيعِ عِبَادِهِ فَإِنَّ تَأْخِيرَ عُقُوبَةِ الْكُفَّارِ وَالْعُصَاةِ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ مَغْفِرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ أَيْ:

أَصْنَامًا يَعْبُدُونَهَا اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ أَيْ: يَحْفَظُ أَعْمَالَهُمْ لِيُجَازِيَهُمْ بِهَا وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ أَيْ:

لَمْ يُوَكِّلْكَ بِهِمْ حَتَّى تُؤَاخَذَ بِذُنُوبِهِمْ، وَلَا وُكِّلَ إِلَيْكَ هِدَايَتُهُمْ، وَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ. قِيلَ: وَهَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا أَيْ: مثل ذلك الإيحاء أو حينا إِلَيْكَ، وَقُرْآنًا مَفْعُولُ أَوْحَيْنَا وَالْمَعْنَى: أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا بِلِسَانِ قَوْمِكَ كَمَا أَرْسَلْنَا كُلَّ رَسُولٍ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَهِيَ: مَكَّةُ، وَالْمُرَادُ: أَهْلُهَا وَمَنْ حَوْلَها مِنَ النَّاسِ وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ، أَيْ: لِتُنْذِرَهُمُ الْعَذَابَ وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ أَيْ: وَلِتُنْذِرَ بِيَوْمِ الْجَمْعِ: وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْخَلَائِقِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ جَمْعُ الْأَرْوَاحِ بِالْأَجْسَادِ، وَقِيلَ: جَمْعُ الظَّالِمِ وَالْمَظْلُومِ، وَقِيلَ: جَمْعُ الْعَامِلِ وَالْعَمَلِ لَا رَيْبَ فِيهِ أَيْ: لَا شَكَّ فِيهِ، وَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ مُقَرِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا، أَوْ صِفَةٌ لِيَوْمِ الْجَمْعِ، أَوْ حَالٌ مِنْهُ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِرَفْعِ فَرِيقٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، إِمَّا: عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ: الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ، وشاع الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَفْصِيلٍ، أَوْ: عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ مُقَدَّرٌ قَبْلَهُ، أَيْ: مِنْهُمْ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ، وَمِنْهُمْ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ، أَوْ أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَهُوَ ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى الْمَجْمُوعَيْنِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِمْ بِذِكْرِ الْجَمْعِ، أَيْ: هُمْ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ «فَرِيقًا» بِالنَّصْبِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى الْحَالِ مِنْ جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ، أَيِ: افْتَرَقُوا حَالَ كَوْنِهِمْ كَذَلِكَ، وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ وَالْكِسَائِيُّ النَّصْبَ عَلَى تَقْدِيرِ لِتُنْذِرَ فَرِيقًا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً


(١) . الانفطار: ١.
(٢) . غافر: ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>