الْبَالِغَةُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بِأَحْوَالِهِمْ بَصِيرٌ بِمَا يُصْلِحُهُمْ مِنْ تَوْسِيعِ الرِّزْقِ، وَتَضْيِيقِهِ، فَيُقَدِّرُ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَا يُصْلِحُهُ، وَيَكُفُّهُ عَنِ الْفَسَادِ بِالْبَغْيِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ أَيِ: الْمَطَرَ الَّذِي هُوَ أَنْفَعُ أَنْوَاعِ الرِّزْقِ وَأَعَمُّهَا فَائِدَةً وَأَكْثَرُهَا مَصْلَحَةً مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا أَيْ: مِنْ بَعْدِ مَا أَيِسُوا عَنْ ذَلِكَ فَيَعْرِفُونَ بِهَذَا الْإِنْزَالِ لِلْمَطَرِ بَعْدَ الْقُنُوطِ مِقْدَارَ رَحْمَتِهِ لَهُمْ، وَيَشْكُرُونَ لَهُ مَا يَجِبُ الشُّكْرُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْوَلِيُّ لِلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِهِ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَجَلْبِ الْمَنَافِعِ لَهُمْ، وَدَفْعِ الشُّرُورِ عَنْهُمُ الْحَمِيدُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْحَمْدِ مِنْهُمْ عَلَى إِنْعَامِهِ خُصُوصًا وَعُمُومًا.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ قَالَ: عَيْشَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها الْآيَةَ. قَالَ: مَنْ يُؤْثِرُ دُنْيَاهُ عَلَى آخِرَتِهِ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نَصِيبًا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارَ، وَلَمْ يَزْدَدْ بِذَلِكَ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا إِلَّا رِزْقًا فُرِغَ مِنْهُ وَقُسِمَ لَهُ، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ، وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ يَطْلُبُوا الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ» . وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ الْآيَةَ، ثُمَّ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِنْ لَا تَفْعَلْ مَلَأْتُ صَدْرَكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: الْحَرْثُ حَرْثِانِ، فَحَرْثُ الدُّنْيَا الْمَالُ وَالْبَنُونَ، وَحَرْثُ الْآخِرَةِ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَجِلْتُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ، فَقَالَ:
إِلَّا أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طريق سعيد ابن جُبَيْرٍ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي فِي نَفْسِي لِقَرَابَتِي وَتَحْفَظُوا الْقَرَابَةَ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ» . وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَكْثَرَ النَّاسُ عَلَيْنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فَكَتَبْنَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ نَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ وَاسِطَ النَّسَبِ فِي قُرَيْشٍ لَيْسَ بَطْنٌ مِنْ بُطُونِهِمْ إِلَّا وَلَهُ فِيهِ قَرَابَةٌ، فقال الله: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً عَلَى مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى أَنْ تَوَدُّونِي لِقَرَابَتِي مِنْكُمْ، وَتَحْفَظُونِي بِهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَابَةٌ مِنْ جَمِيعِ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا كَذَّبُوهُ وَأَبَوْا أَنْ يُبَايِعُوهُ قَالَ: «يَا قَوْمِ إِذَا أبيتم أن تبايعوني فاحفظوا قرابتي فيكم، وَلَا يَكُونُ غَيْرُكُمْ مِنَ الْعَرَبِ أَوْلَى بِحِفْظِي وَنُصْرَتِي مِنْكُمْ» . وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute