للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى أَيْ: هُوَ الْخَالِقُ لِذَلِكَ وَالْقَاضِي بِسَبَبِهِ. قَالَ الْحَسَنُ وَالْكَلْبِيُّ:

أَضْحَكَ أَهْلَ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبْكَى أَهْلَ النَّارِ فِي النَّارِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَضْحَكَ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ، وَأَبْكَى السَّمَاءَ بِالْمَطَرِ، وَقِيلَ: أَضْحَكَ مَنْ شَاءَ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ سَرَّهُ، وَأَبْكَى مَنْ شَاءَ بِأَنْ غَمَّهُ. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ:

أَضْحَكَ الْمُطِيعِينَ بِالرَّحْمَةِ، وَأَبْكَى الْعَاصِينَ بِالسُّخْطِ وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا أَيْ: قَضَى أَسْبَابَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ، وَقِيلَ: خَلَقَ نَفْسَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ، كَمَا فِي قوله: خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ «١» وَقِيلَ: أَمَاتَ الْآبَاءَ وَأَحْيَا الْأَبْنَاءَ، وَقِيلَ: أَمَاتَ فِي الدُّنْيَا وَأَحْيَا لِلْبَعْثِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِمَا النَّوْمُ وَالْيَقَظَةُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: أَمَاتَ بِعَدْلِهِ وَأَحْيَا بفضله، وقيل: أمات الكافر وأحياء الْمُؤْمِنَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ «٢» وأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى - مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى الْمُرَادُ بِالزَّوْجَيْنِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ، وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ آدَمُ وَحَوَّاءُ فَإِنَّهُمَا لَمْ يُخْلَقَا مِنَ النُّطْفَةِ، وَالنُّطْفَةُ: الماء القليل، ومعنى: إِذا تُمْنى إذا تُصَبُّ فِي الرَّحِمِ وَتَدْفُقُ فِيهِ، كَذَا قَالَ الْكَلْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرُهُمْ، يُقَالُ: مَنَى الرَّجُلُ وَأَمْنَى، أَيْ: صَبَّ الْمَنِيَّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِذا تُمْنى إِذَا تُقَدَّرُ، يُقَالُ:

مَنَيْتُ الشَّيْءَ: إِذَا قَدَّرْتُهُ، وَمُنِيَ لَهُ أَيْ: قُدِّرَ لَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «٣» :

حَتَّى تُلَاقِي مَا يُمَنِّي لَكِ الْمَانِي «٤»

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُقَدِّرُ مِنْهَا الْوَلَدَ. وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى أَيْ: إِعَادَةَ الْأَرْوَاحِ إِلَى الْأَجْسَامِ عِنْدَ الْبَعْثِ وَفَاءً بِوَعْدِهِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: النَّشْأَةَ بِالْقَصْرِ بِوَزْنِ الضَّرْبَةِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِالْمَدِّ بِوَزْنِ الْكَفَالَةِ، وَهُمَا عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ مَصْدَرَانِ وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى أَيْ: أَغْنَى مَنْ شَاءَ وَأَفْقَرَ مَنْ شَاءَ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ «٥» وقوله: يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ «٦» قاله ابْنُ زَيْدٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: أَغْنَى: مَوَّلَ، وَأَقْنَى: أَخْدَمَ، وَقِيلَ: مَعْنَى أَقْنَى: أَعْطَى الْقِنْيَةَ، وَهِيَ مَا يُتَأَثَّلُ مِنَ الْأَمْوَالِ. وَقِيلَ: مَعْنَى أَقْنَى: أَرْضَى بِمَا أَعْطَى، أَيْ: أَغْنَاهُ، ثُمَّ رَضَّاهُ بِمَا أَعْطَاهُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ:

قَنَّى الرَّجُلُ قِنًى، مِثْلَ غَنِيَ غِنًى، أَيْ: أَعْطَاهُ مَا يَقْتَنِي، وَأَقْنَاهُ: أَرْضَاهُ، والقنى: الرضا. قال أبو زيد: تقول


(١) . الملك: ٢.
(٢) . الأنعام: ١٢٢.
(٣) . هو أبو قلابة الهذلي.
(٤) . وصدره: ولا تقولن لشيء سوف أفعله.
(٥) . الرعد: ٢٦.
(٦) . البقرة: ٢٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>