أَيْ: مُوَافِقِينَ لَكُمْ فِي الظَّاهِرِ، نُصَلِّي بِصَلَاتِكُمْ فِي مَسَاجِدِكُمْ، وَنَعْمَلُ بِأَعْمَالِ الْإِسْلَامِ مِثْلَكُمْ، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَمَاذَا قَالَ الْمُنَافِقُونَ بَعْدَ ضَرْبِ السُّورِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: يُنادُونَهُمْ، ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَمَّا أَجَابَهُمْ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ فَقَالَ: قالُوا بَلى أَيْ: كُنْتُمْ مَعَنَا فِي الظَّاهِرِ وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِالنِّفَاقِ وَإِبِطَانِ الْكُفْرِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: أَهْلَكْتُمُوهَا بِالنِّفَاقِ، وَقِيلَ: بِالشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ وَتَرَبَّصْتُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ حَوَادِثَ الدَّهْرِ، وَقِيلَ: تَرَبَّصْتُمْ بِالتَّوْبَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.
وَارْتَبْتُمْ أَيْ: شَكَكْتُمْ فِي أمر الدّين، ولم تصدقوا بما نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ وَلَا بِالْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةِ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ الْبَاطِلَةُ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا مَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ التَّرَبُّصِ، وَقِيلَ: هُوَ طُولُ الْأَمَلِ، وَقِيلَ: مَا كَانُوا يَتَمَنَّوْنَهُ مِنْ ضَعْفِ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْأَمَانِيُّ هُنَا غُرُورُ الشَّيْطَانِ، وَقِيلَ: الدُّنْيَا، وَقِيلَ: هُوَ طَمَعُهُمْ فِي الْمَغْفِرَةِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْأَمَانِيِّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُوَ الْمَوْتُ، وَقِيلَ: نَصْرُهُ سُبْحَانَهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ إِلْقَاؤُهُمْ فِي النَّارِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «الْغَرُورِ» بِفَتْحِ الْغَيْنِ، وَهُوَ صِفَةٌ عَلَى فَعُولٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ الشَّيْطَانُ، أَيْ: خَدَعَكُمْ بِحِلْمِ اللَّهِ وَإِمْهَالِهِ الشَّيْطَانُ. وَقَرَأَ أَبُو حيوة ومحمد ابن السّميقع وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ بِضَمِّهَا وَهُوَ مَصْدَرٌ فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ تَفْدُونَ بِهَا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا مَأْواكُمُ النَّارُ أَيْ: مَنْزِلُكُمُ الَّذِي تَأْوُونَ إِلَيْهِ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ أَيْ: هِيَ أَوْلَى بِكُمْ، وَالْمَوْلَى فِي الْأَصْلِ من يتولى مصالح الإنسان، ثم استعمل فيمن يُلَازِمُهُ، وَقِيلَ: مَعْنَى مَوْلَاكُمْ: مَكَانُكُمْ عَنْ قُرْبٍ، من الولي وهو القرب. وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُرَكِّبُ فِي النَّارِ الْحَيَاةَ وَالْعَقْلَ، فَهِيَ تَتَمَيَّزُ غَيْظًا عَلَى الْكُفَّارِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى: هِيَ نَاصِرُكُمْ، عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ
وَبِئْسَ الْمَصِيرُ الَّذِي تصيرون إليه هو النَّارِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ قَالَ: يُؤْتَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ، مِنْهُمْ مَنْ نُورُهُ مِثْلُ الْجَبَلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ نُورُهُ مِثْلُ النَّخْلَةِ، وَأَدْنَاهُمْ نُورًا مَنْ نُورُهُ عَلَى إِبْهَامِهِ يُطْفَأُ مَرَّةً وَيُوقَدُ أُخْرَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ فِي ظُلْمَةٍ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ نُورًا، فَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ النُّورَ تَوَجَّهُوا نَحْوَهُ، وَكَانَ النُّورُ دَلِيلَهُمْ مِنَ اللَّهِ إِلَى الْجَنَّةِ، فَلَمَّا رَأَى الْمُنَافِقُونَ الْمُؤْمِنِينَ قَدِ انْطَلَقُوا إِلَى النُّورِ تَبِعُوهُمْ، فَأَظْلَمَ اللَّهُ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، فَقَالُوا حِينَئِذٍ: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ فَإِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ فِي الدُّنْيَا، قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: ارْجِعُوا وَراءَكُمْ مِنْ حَيْثُ جِئْتُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ فَالْتَمِسُوا هُنَالِكَ النُّورَ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَدْعُو النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأُمَّهَاتِهِمْ سَتْرًا مِنْهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَأَمَّا عِنْدَ الصِّرَاطِ فَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِي كُلَّ مُؤْمِنٍ نُورًا وَكُلَّ مُنَافِقٍ نُورًا، فَإِذَا اسْتَوَوْا عَلَى الصِّرَاطِ سَلَبَ اللَّهُ نُورَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute