للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْمُولٌ لِعَامِلٍ مُقَدَّرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى عَامِلِ الظَّرْفِ الأوّل يَا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ أَيْ: أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ بِالْإِنْجِيلِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ لِأَنِّي لَمْ آتِكُمْ بِشَيْءٍ يُخَالِفُ التَّوْرَاةَ، بَلْ هِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى التَّبْشِيرِ بِي، فَكَيْفَ تَنْفِرُونَ عَنِّي وَتُخَالِفُونَنِي، وَانْتِصَابُ مُصَدِّقًا عَلَى الْحَالِ، وَكذا مُبَشِّراً، وَالْعَامِلُ فِيهِمَا مَا فِي الرَّسُولِ مِنْ مَعْنَى الْإِرْسَالِ، وَالْمَعْنَى: أَنِّي أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ حَالَ كَوْنِي مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِمَنْ يَأْتِي بَعْدِي، وَإِذَا كُنْتُ كَذَلِكَ فِي التَّصْدِيقِ وَالتَّبْشِيرِ فلا مقتضى لتكذيبي، وأحمد اسْمُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنَ الصِّفَةِ، وَهِيَ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مُبَالَغَةً مِنَ الْفَاعِلِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهَا أَنَّهُ أَكْثَرُ حَمْدًا لِلَّهِ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ مِنَ الْمَفْعُولِ فَيَكُونُ مَعْنَاهَا أَنَّهُ يُحْمَدُ بِمَا فِيهِ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ أَكْثَرَ مِمَّا يُحْمَدُ غَيْرُهُ، قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَالسُّلَمِيُّ وَزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ مِنْ بَعْدِي بِفَتْحِ الْيَاءِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِسْكَانِهَا فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ أَيْ: لَمَّا جَاءَهُمْ عِيسَى بِالْمُعْجِزَاتِ قَالُوا هَذَا الَّذِي جَاءَنَا بِهِ سِحْرٌ وَاضِحٌ ظَاهِرٌ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ لَمَّا جَاءَهُمْ بِذَلِكَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: سِحْرٌ وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: «سَاحِرٌ» . وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ أَيْ: لَا أَحَدَ أَكْثَرُ ظُلْمًا مِنْهُ حَيْثُ يَفْتَرِي عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، وَالْحَالُ أَنَّهُ يُدْعَى إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ خَيْرُ الْأَدْيَانِ وَأَشْرَفُهَا لِأَنَّ من كان كذلك فحقّه أن لا يَفْتَرِيَ عَلَى غَيْرِهِ الْكَذِبَ، فَكَيْفَ يَفْتَرِيهِ عَلَى رَبِّهِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَهُوَ يُدْعى مِنَ الدُّعَاءِ مبنيا للمفعول. وقرأ طلحة ابن مُصَرِّفٍ يُدْعى بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ مِنَ الادّعاء مبنيا للفاعل، وإنما عدّي بإلى لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى الِانْتِمَاءِ وَالِانْتِسَابِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ مَا قَبْلَهَا.

وَالْمَعْنَى: لَا يَهْدِي مَنِ اتَّصَفَ بالظلم، والمذكورون من جملتهم يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ الْإِطْفَاءُ: الْإِخْمَادُ، وَأَصْلُهُ فِي النَّارِ، وَاسْتُعِيرَ لِمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا مِنَ الظُّهُورِ. وَالْمُرَادُ بِنُورِ اللَّهِ الْقُرْآنُ، أَيْ: يُرِيدُونَ إِبْطَالَهُ وَتَكْذِيبَهُ بِالْقَوْلِ، أَوِ الْإِسْلَامِ، أَوْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوِ الْحُجَجِ وَالدَّلَائِلِ، أَوْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ، وَمَعْنَى بِأَفْوَاهِهِمْ: بِأَقْوَالِهِمُ الْخَارِجَةِ مِنْ أَفْوَاهِهِمُ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلطَّعْنِ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ بِإِظْهَارِهِ فِي الْآفَاقِ وَإِعْلَائِهِ عَلَى غَيْرِهِ. قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ مُتِمُّ نُورِهِ بِالْإِضَافَةِ وَالْبَاقُونَ بِتَنْوِينِ مُتِمٌّ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَاللَّامُ فِي «لِيُطْفِئُوا» لَامٌ مُؤَكِّدَةٌ دَخَلَتْ عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا، وَأَكْثَرُ مَا تَلْزَمُ هَذِهِ اللَّامُ الْمَفْعُولُ إِذَا تَقَدَّمَ، كَقَوْلِكَ:

لَزَيْدٌ ضَرَبْتُ، وَلَرُؤْيَتُكَ قَصَدْتُ، وَقِيلَ: هِيَ لَامُ الْعِلَّةِ، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: يُرِيدُونَ إِبْطَالَ الْقُرْآنِ أَوْ دَفْعَ الْإِسْلَامِ أَوْ هَلَاكَ الرَّسُولِ لِيُطْفِئُوا، وَقِيلَ: إِنَّهَا بِمَعْنَى أَنِ النَّاصِبَةِ وَأَنَّهَا نَاصِبَةٌ بِنَفْسِهَا. قَالَ الْفَرَّاءُ:

الْعَرَبُ تَجْعَلُ لَامَ كَيْ فِي مَوْضِعِ أَنْ فِي أَرَادَ وَأَمَرَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْكِسَائِيُّ، وَمِثْلُ هَذَا قوله: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ «١» وَجُمْلَةُ: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ مُقَرِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا، وَالْهُدَى: الْقُرْآنُ أَوِ الْمُعْجِزَاتُ، وَمَعْنَى دِينِ الْحَقِّ: الْمِلَّةُ الْحَقَّةُ، وهي


(١) . النساء: ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>