وَقِيلَ: هُوَ كَلَامٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنَاهُ دُونَ لَفْظِهِ، وَالْمَعْنَى: كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا كَانَ الْحَوَارِيُّونَ أَنْصَارَ عِيسَى حِينَ قَالَ لَهُمْ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ وَقَوْلُهُ: إِلَى اللَّهِ قِيلَ: إِلَى بِمَعْنَى مَعَ، أَيْ مَنْ أَنْصَارِي مَعَ اللَّهِ، وَقِيلَ التَّقْدِيرُ: مَنْ أَنْصَارِي فِيمَا يُقَرِّبُ إِلَى اللَّهِ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: مَنْ أَنْصَارِي مُتَوَجِّهًا إِلَى نُصْرَةِ اللَّهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. وَالْحَوَارِيُّونَ: هُمْ أَنْصَارُ الْمَسِيحِ وَخُلَّصُ أَصْحَابِهِ، وَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمْ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ أَيْ آمَنَتْ طَائِفَةٌ بِعِيسَى وَكَفَرَتْ بِهِ طَائِفَةٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا بَعْدَ رَفْعِهِ تَفَرَّقُوا وَتَقَاتَلُوا فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ أَيْ: قَوَّيْنَا الْمُحِقِّينَ مِنْهُمْ عَلَى الْمُبْطِلِينَ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ أَيْ: عَالِينَ غَالِبِينَ، وَقِيلَ الْمَعْنَى: فَأَيَّدْنَا الْآنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْفِرْقَتَيْنِ جَمِيعًا.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالُوا: لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَيُّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ فنزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ فَكَرِهُوا فَنَزَلَتْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ إِلَى قَوْلِهِ: بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ «١» . وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ قَالَ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ بِحَمْدِ اللَّهِ جَاءَهُ سَبْعُونَ رَجُلًا فَبَايَعُوهُ عِنْدَ الْعَقَبَةِ وَآوَوْهُ وَنَصَرُوهُ حَتَّى أَظْهَرَ اللَّهُ دِينَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ وابن سعد عن عبد الله ابن أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّفَرِ الَّذِينَ لَقُوهُ بِالْعَقَبَةِ: «أَخْرِجُوا إليّ اثني عشر منكم يكونوا كُفَلَاءَ عَلَى قَوْمِهِمْ كَمَا كَفَلَتِ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى بن مَرْيَمَ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنُّقَبَاءِ: «إِنَّكُمْ كُفَلَاءُ عَلَى قَوْمِكُمْ كَكَفَالَةِ الْحَوَارِيِّينَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَأَنَا كَفِيلُ قَوْمِي، قَالُوا: نَعَمْ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا قَالَ:
فَقَوَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ: فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتِهِ عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا الْيَوْمَ ظاهِرِينَ.
(١) . الصف: ٢- ٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute