للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالتَّوْبَةُ فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ. قَالَ قَتَادَةُ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ: الصَّادِقَةُ، وَقِيلَ: الْخَالِصَةُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ: أَنْ يَبْغَضَ الذَّنْبَ الَّذِي أَحَبَّهُ وَيَسْتَغْفِرَ مِنْهُ إِذَا ذَكَرَهُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ النَّدَمُ بِالْقَلْبِ، وَالِاسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ، وَالْإِقْلَاعُ بِالْبَدَنِ، وَالِاطْمِئْنَانُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هِيَ التَّوْبَةُ الْمَقْبُولَةُ.

قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «نَصُوحًا» بِفَتْحِ النُّونِ عَلَى الْوَصْفِ لِلتَّوْبَةِ، أَيْ: تَوْبَةً بَالِغَةً فِي النُّصْحِ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَخَارِجَةُ وَأَبُو بكر عن عاصم بضمها، أي: توبة نصح لِأَنْفُسِكُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ نَاصِحٍ، وَأَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا، يُقَالُ: نَصَحَ نَصَاحَةً وَنُصُوحًا. قَالَ الْمُبَرِّدُ: أَرَادَ تَوْبَةً ذَاتَ نُصْحٍ. عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ بسبب تلك التوبة، وعسى وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا لِلْإِطْمَاعِ فَهِيَ مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ، لِأَنَّ التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ له، ويدخلكم مَعْطُوفٌ عَلَى يُكَفِّرَ مَنْصُوبٌ بِنَاصِبِهِ وَبِالنَّصْبِ قَرَأَ الجمهور، وقرئ بالجزم عطفا على محل عيسى، كَأَنَّهُ قَالَ: تُوبُوا يُوجِبْ تَكْفِيرَ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بيدخلكم، أَيْ: يُدْخِلَكُمْ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَالْمَوْصُولُ مَعْطُوفٌ عَلَى النَّبِيِّ، وَقِيلَ: الْمَوْصُولُ مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ: نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَتَكُونُ جُمْلَةُ نُورُهُمْ يَسْعى فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ حَالِهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ أَنَّ النُّورَ يَكُونُ مَعَهُمْ حَالَ مَشْيِهِمْ عَلَى الصِّرَاطِ، وَجُمْلَةُ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا، وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ تَكُونُ خَبَرًا آخَرَ، وَهَذَا دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ حِينَ أَطْفَأَ اللَّهُ نُورَ الْمُنَافِقِينَ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ.

وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْفِرْيَابِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي قَوْلِهِ: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا قَالَ: عَلِّمُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمُ الْخَيْرَ وَأَدِّبُوهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: اعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَاتَّقُوا مَعَاصِيَ اللَّهِ، وَأْمُرُوا أَهْلَكُمْ بِالذِّكْرِ يُنْجِكُمُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: أَدِّبُوا أَهْلِيكُمْ.

وَأَخْرَجَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ خَزَنَةَ النَّارِ تِسْعَةَ عَشَرَ، ما بين منكبي أَحَدِهِمْ مَسِيرَةُ مِائَةِ خَرِيفٍ، لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ رَحْمَةٌ، إِنَّمَا خُلِقُوا لِلْعَذَابِ، يَضْرِبُ الْمَلَكُ مِنْهُمُ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ الضَّرْبَةَ فَيَتْرُكُهُ طَحْنًا مِنْ لَدُنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْفِرْيَابِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَهَنَّادُ وَابْنُ مَنِيعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخطاب سئل عن التوبة النصوح، فقال:

أَنْ يَتُوبَ الرَّجُلُ مِنَ الْعَمَلِ السَّيِّئِ ثُمَّ لَا يَعُودُ إِلَيْهِ أَبَدًا. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «التَّوْبَةُ مِنَ الذَّنْبِ أَنْ يَتُوبَ مِنْهُ، ثُمَّ لَا يعود إليه أبدا» وفي إسناده إبراهيم ابن مُسْلِمٍ الْهَجَرِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ الْمَوْقُوفُ. كَمَا أَخْرَجَهُ مَوْقُوفًا عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ تُكَفِّرُ كُلَّ سَيِّئَةٍ، وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله: يَوْمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>