للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَوْشَبٍ: مَنَاكِبُهَا: جِبَالُهَا، وَأَصْلُ الْمَنْكِبِ الْجَانِبُ، وَمِنْهُ مَنْكِبُ الرَّجُلِ، وَمِنْهُ الرِّيحُ النَّكْبَاءُ، لِأَنَّهَا تَأْتِي مِنْ جَانِبٍ دُونَ جَانِبٍ وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ أَيْ: مِمَّا رَزَقَكُمْ وَخَلَقَهُ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ أَيْ: وَإِلَيْهِ الْبَعْثُ مِنْ قُبُورِكُمْ، لَا إِلَى غَيْرِهِ، وَفِي هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ. ثُمَّ خَوَّفَ سُبْحَانَهُ الْكُفَّارَ. فَقَالَ: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: يَعْنِي عُقُوبَةَ مَنْ فِي السَّمَاءِ، وَقِيلَ «مَنْ فِي السَّمَاءِ» : قُدْرَتُهُ وَسُلْطَانُهُ وَعَرْشُهُ وَمَلَائِكَتُهُ، وَقِيلَ: مَنْ فِي السَّمَاءِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ جِبْرِيلُ، وَمَعْنَى أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ يَقْلِعَهَا مُلْتَبِسَةً بِكُمْ كَمَا فَعَلَ بِقَارُونَ بَعْدَ مَا جَعَلَهَا لَكُمْ ذَلُولًا تَمْشُونَ فِي مَنَاكِبِهَا، وَقَوْلُهُ: أَنْ يَخْسِفَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنَ الْمَوْصُولِ، أَيْ: أَأَمِنْتُمْ خَسْفَهُ، أَوْ عَلَى حَذْفِ مِنْ، أَيْ: مِنْ أَنْ يَخْسِفَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ أَيْ: تَضْطَرِبُ وَتَتَحَرَّكُ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ السُّكُونِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «ء أمنتم» بِهَمْزَتَيْنِ، وَقَرَأَ الْبَصْرِيُّونَ وَالْكُوفِيُّونَ بِالتَّخْفِيفِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِقَلْبِ الْأُولَى وَاوًا. ثُمَّ كَرَّرَ سُبْحَانَهُ التَّهْدِيدَ لَهُمْ بِوَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً أَيْ: حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ كَمَا أَرْسَلَهَا عَلَى قوم لوط وأصحاب الفيل، وقيل: سحاب فيه حِجَارَةٌ، وَقِيلَ:

رِيحٌ فِيهَا حِجَارَةٌ فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ أَيْ: إِنْذَارِي إِذَا عَايَنْتُمُ الْعَذَابَ وَلَا يَنْفَعُكُمْ هَذَا الْعِلْمُ، وَقِيلَ:

النَّذِيرُ هُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ عَطَاءُ وَالضَّحَّاكُ. وَالْمَعْنَى: سَتَعْلَمُونَ رَسُولِي وَصِدْقَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَالْكَلَامُ فِي أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً كَالْكَلَامِ فِي أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَهُوَ إِمَّا بَدَلُ اشْتِمَالٍ، أَوْ بِتَقْدِيرِ مِنْ. وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَيِ: الَّذِينَ قَبْلَ كُفَّارِ مَكَّةَ مِنْ كُفَّارِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ كَقَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ وَأَصْحَابِ الْأَيْكَةِ وَأَصْحَابِ الرَّسِّ وَقَوْمِ فِرْعَوْنَ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ أَيْ: فَكَيْفَ كَانَ إِنْكَارِي عَلَيْهِمْ بِمَا أَصَبْتُهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ الْفَظِيعِ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ وَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ، أي: أغفلوا ولم يَنْظُرُوا، وَمَعْنَى صافَّاتٍ أَنَّهَا صَافَّةٌ لِأَجْنِحَتِهَا فِي الهواء وتبسيطها عِنْدَ طَيَرَانِهَا وَيَقْبِضْنَ أَيْ: يَضْمُمْنَ أَجْنِحَتَهُنَّ. قَالَ النحاس: يقال للطائر إذا بسط جناحيه:

صافّ، وإذا ضمّهما: قابض لأنه يقبضهما، وَهَذَا مَعْنَى الطَّيَرَانِ، وَهُوَ بَسْطُ الْجَنَاحِ وَقَبْضُهُ بَعْدَ الْبَسْطِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي خِرَاشٍ:

يُبَادِرُ جنح اللّيل فهو موائل «١» ... يحث الْجَنَاحِ بِالتَّبَسُّطِ وَالْقَبْضِ

وَإِنَّمَا قَالَ: وَيَقْبِضْنَ وَلَمْ يَقُلْ قَابِضَاتٍ كَمَا قَالَ صَافَّاتٍ، لِأَنَّ الْقَبْضَ يَتَجَدَّدُ تَارَةً فَتَارَةً، وَأَمَّا الْبَسْطُ فَهُوَ الْأَصْلُ، كَذَا قِيلَ. وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَى وَيَقْبِضْنَ قَبْضُهُنَّ لِأَجْنِحَتِهِنَّ عِنْدَ الْوُقُوفِ مِنَ الطَّيَرَانِ، لَا قَبْضُهَا فِي حَالِ الطَّيَرَانِ، وَجُمْلَةُ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ يَقْبِضْنَ، أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ مَا يُمْسِكُهُنَّ فِي الْهَوَاءِ عِنْدَ الطَّيَرَانِ إِلَّا الرَّحْمَنُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ كَائِنًا مَا كَانَ أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ


(١) . «واءل الطير» : لجأ. وفي اللسان: مهابذ، والمهابذة: الإسراع.

<<  <  ج: ص:  >  >>