للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَقْبَلَ سَيْلٌ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ... يَحْرِدُ حرد الجنّة المغلّة

وقال أبو عبيد وَالْمُبَرِّدُ وَالْقُتَيْبِيُّ: عَلَى حَرْدٍ عَلَى مَنْعٍ، مِنْ قولهم حاردت الْإِبِلُ حَرْدًا إِذَا قَلَّتْ أَلْبَانُهَا، وَالْحَرُودُ مِنَ النُّوقِ هِيَ الْقَلِيلَةُ اللَّبَنِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَسُفْيَانُ وَالشَّعْبِيُّ عَلى حَرْدٍ عَلَى غَضَبٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

إِذَا جِيَادُ الْخَيْلِ جَاءَتْ تَرْدَى ... مَمْلُوءَةً مِنْ غَضَبٍ وَحَرْدِ

وَقَوْلُ الْآخَرِ:

تَسَاقَوْا عَلَى حَرْدٍ دِمَاءَ الْأَسَاوِدِ وَمِنْهُ قِيلَ: أَسَدٌ حَارِدٌ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ أَيْضًا أَنَّهُمَا قَالَا: عَلى حَرْدٍ أَيْ: عَلَى حَسَدٍ.

وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا: عَلَى حَاجَةٍ وَفَاقَةٍ. وَقِيلَ: عَلى حَرْدٍ: عَلَى انْفِرَادٍ، يُقَالُ: حَرَدَ يَحْرِدُ حَرْدًا أَوْ حُرُودًا إِذَا تَنَحَّى عَنْ قَوْمِهِ وَنَزَلَ مُنْفَرِدًا عَنْهُمْ وَلَمْ يُخَالِطْهُمْ، وَبِهِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ:

حَرْدٌ اسْمُ قَرْيَتِهِمْ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: اسْمُ جَنَّتِهِمْ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ حَرْدٍ بِسُكُونِ الرَّاءِ. وقرأ أبو العالية وابن السّميقع بِفَتْحِهَا، وَانْتِصَابُ قادِرِينَ عَلَى الْحَالِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: ومعنى قادرين: قد قدّروا أمرهم وَبَنَوْا عَلَيْهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: قَادِرِينَ عَلَى جَنَّتِهِمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: يَعْنِي قَادِرِينَ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَلَمَّا رَأَوْها أَيْ: لَمَّا رَأَوْا جَنَّتَهُمْ وَشَاهَدُوا مَا قَدْ حَلَّ بِهَا مِنَ الْآفَةِ الَّتِي أَذْهَبَتْ مَا فِيهَا قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ أي: قال بعضهم لبعض: قد ضللنا جَنَّتِنَا وَلَيْسَتْ هَذِهِ، ثُمَّ لَمَّا تَأَمَّلُوا وَعَلِمُوا أَنَّهَا جَنَّتُهُمْ، وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ عَاقَبَهُمْ بِإِذْهَابِ مَا فِيهَا مِنَ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ قَالُوا: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أَيْ حُرِمْنَا جَنَّتَنَا بِسَبَبِ مَا وَقَعَ مِنَّا مِنَ الْعَزْمِ عَلَى مَنْعِ الْمَسَاكِينِ مِنْ خَيْرِهَا، فَأَضْرَبُوا عَنْ قَوْلِهِمُ الْأَوَّلِ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِمْ:

إِنَّا لَضَالُّونَ أَنَّهُمْ ضَلُّوا عَنِ الصَّوَابِ بِمَا وَقَعَ مِنْهُمْ قالَ أَوْسَطُهُمْ أَيْ: أَمْثَلُهُمْ وَأَعْقَلُهُمْ وَخَيْرُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ أَيْ: هَلَّا تُسَبِّحُونَ، يَعْنِي تَسْتَثْنُونَ، وَسُمِّيَ الِاسْتِثْنَاءُ تَسْبِيحًا لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لِلَّهِ وَإِقْرَارٌ بِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَوْسَطَهُمْ كَانَ أَمَرَهُمْ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَلَمْ يُطِيعُوهُ، وقال مجاهد وأبو صالح وغير هما:

كَانَ اسْتِثْنَاؤُهُمْ تَسْبِيحًا. قَالَ النَّحَّاسُ: أَصْلُ التَّسْبِيحِ التَّنْزِيهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَجَعَلَ التَّسْبِيحَ فِي مَوْضِعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: هَلَّا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ مِنْ فِعْلِكُمْ وَتَتُوبُونَ إِلَيْهِ مِنْ هَذِهِ النِّيَّةِ الَّتِي عَزَمْتُمْ عَلَيْهَا، وَكَانَ أَوْسَطُهُمْ قد قال لهم ذلك بعد مشاهدتهم للجنة عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ أَيْ: تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ ظَالِمًا فِيمَا صَنَعَ بِجَنَّتِنَا، فَإِنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ ذَنْبِنَا الَّذِي فَعَلْنَاهُ، وَقِيلَ: مَعْنَى تَسْبِيحِهِمْ الِاسْتِغْفَارُ، أَيْ نَسْتَغْفِرُ رَبَّنَا مِنْ ذَنْبِنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ لِأَنْفُسِنَا فِي مَنْعِنَا لِلْمَسَاكِينِ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ أَيْ: يَلُومُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي مَنْعِهِمْ لِلْمَسَاكِينِ وَعَزْمِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ نَادَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْوَيْلِ حَيْثُ قالُوا يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ أَيْ: عَاصِينَ مُتَجَاوِزِينَ حُدُودَ اللَّهِ بِمَنْعِ الْفُقَرَاءِ وَتَرْكِ الِاسْتِثْنَاءِ. قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ:

أَيْ: طَغَيْنَا نِعَمَ اللَّهِ فَلَمْ نَشْكُرْهَا كَمَا شَكَرَهَا أَبُونَا مِنْ قَبْلُ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى اللَّهِ وَسَأَلُوهُ أَنْ يُعَوِّضَهُمْ بخير منها،

<<  <  ج: ص:  >  >>