للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْإِفْرَادِ، وَقَرَأَ حَفْصٌ وَيَعْقُوبَ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ بِالْجَمْعِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَالْإِفْرَادُ أَوْلَى لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَمَنْ جَمَعَ ذَهَبَ إِلَى اخْتِلَافِ الشَّهَادَاتِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَيَدُلُّ عَلَى قِرَاءَةِ التَّوْحِيدِ قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ «١» . وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ أَيْ: عَلَى أَذْكَارِهَا وَأَرْكَانِهَا وَشَرَائِطِهَا لَا يُخِلُّونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ قَتَادَةُ: عَلَى وُضُوئِهَا وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْمُرَادُ التَّطَوُّعُ، وَكَرَّرَ ذِكْرَ الصَّلَاةِ لِاخْتِلَافِ مَا وَصَفَهُمْ بِهِ أَوَّلًا، وَمَا وَصَفَهُمْ بِهِ ثَانِيًا، فَإِنَّ مَعْنَى الدَّوَامِ: هُوَ أَنْ لَا يَشْتَغِلُ عَنْهَا بِشَيْءٍ مِنَ الشَّوَاغِلِ كَمَا سَلَفَ وَمَعْنَى الْمُحَافَظَةِ: أَنْ يُرَاعِيَ الْأُمُورَ الَّتِي لَا تَكُونُ صَلَاةٌ بِدُونِهَا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ يُحَافِظُونَ عَلَيْهَا بَعْدَ فِعْلِهَا مِنْ أَنْ يَفْعَلُوا مَا يُحْبِطُهَا وَيُبْطِلُ ثَوَابَهَا، وَكَرَّرَ الْمَوْصُولَاتِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَصْفٍ مِنْ تِلْكَ الْأَوْصَافِ لِجَلَالَتِهِ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِمَوْصُوفٍ مُنْفَرِدٍ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: أُولئِكَ إِلَى الْمَوْصُوفِينَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ أَيْ: مُسْتَقِرُّونَ فِيهَا مُكْرَمُونَ بِأَنْوَاعِ الْكَرَامَاتِ، وَخَبَرُ الْمُبْتَدَأِ قَوْلُهُ: فِي جَنَّاتٍ وَقَوْلُهُ: مُكْرَمُونَ خَبَرٌ آخَرُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ مكرمون، وفي جَنَّاتٍ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ لَهُمْ حَوَالَيْكَ مُسْرِعِينَ. قَالَ الْأَخْفَشُ: مُهْطِعِينَ: مُسْرِعِينَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

بمكّة أهلها ولقد أراهم ... إليه مُهْطِعِينَ إِلَى السَّمَاعِ

وَقِيلَ: الْمَعْنَى: مَا بَالُهُمْ يُسْرِعُونَ إِلَيْكَ يَجْلِسُونَ حَوَالَيْكَ وَلَا يَعْمَلُونَ بِمَا تَأْمُرُهُمْ، وَقِيلَ: مَا بَالُهُمْ مُسْرِعِينَ إِلَى التَّكْذِيبِ، وَقِيلَ: مَا بَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا يُسْرِعُونَ إِلَى السَّمَاعِ إِلَيْكَ فَيُكَذِّبُونَكَ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِكَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إن معنى: مُهْطِعِينَ نَاظِرِينَ إِلَيْكَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: عَامِدِينَ، وَقِيلَ: مُسْرِعِينَ إِلَيْكَ، مَادِّي أَعْنَاقِهِمْ، مُدِيمِي النَّظَرِ إِلَيْكَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ أَيْ: عَنْ يَمِينِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ شماله جماعات متفرقة، وعزين: جَمْعُ عِزَةٍ، وَهِيَ الْعُصْبَةُ مِنَ النَّاسِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

تَرَانَا عِنْدَهُ وَاللَّيْلُ دَاجٍ ... عَلَى أَبْوَابِهِ حِلَقًا عِزِينَا

وَقَالَ الرَّاعِي:

أَخَلِيفَةُ الرَّحْمَنِ إنّ عشيرتي ... أمسى سراتهم إليك عزينا

وقول عَنْتَرَةُ:

وَقِرْنٍ قَدْ تَرَكْتُ لَدَى وَلِيٍّ ... عَلَيْهِ الطّير كالعصب العزين

وَقِيلَ: أَصْلُهَا عِزْوَةٌ مِنَ الْعَزْوِ، كَأَنَّ كُلَّ فِرْقَةٍ تَعْتَزِي إِلَى غَيْرِ مَنْ تَعْتَزِي إِلَيْهِ الْأُخْرَى. قَالَ فِي الصِّحَاحِ:

وَالْعِزَةُ: الْفِرْقَةُ مِنَ النَّاسِ، وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنَ التَّاءِ، وَالْجَمْعُ عِزِيٌّ وَعِزُونَ، وَقَوْلُهُ: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ مُتَعَلِّقٌ بِعِزِينَ، أَوْ بِمُهْطِعِينَ. أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ قال المفسرون:


(١) . الطلاق: ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>