للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختلفوا هل كانت الشياطين ترمى بالشهب قَبْلَ الْمَبْعَثِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ قَوْمٌ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ. وَحَكَى الْوَاحِدِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: أَكَانَ يُرْمَى بِالنُّجُومِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَفَرَأَيْتَ قَوْلَهُ:

وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها الْآيَةَ، قَالَ: غُلِّظَتْ وَشُدِّدَ أَمْرُهَا حِينَ بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: إِنَّ الرَّجْمَ قَدْ كَانَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي شِدَّةِ الْحِرَاسَةِ بَعْدَ مَبْعَثِهِ، وَكَانُوا يَسْتَرِقُونَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، فَلَمَّا بُعِثَ مُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سَابُورَ: لَمْ تَكُنِ السَّمَاءُ تُحْرَسُ فِي الْفَتْرَةِ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ، فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُرِسَتِ السَّمَاءُ، وَرُمِيَتِ الشَّيَاطِينُ بِالشُّهُبِ، وَمُنِعَتْ مِنَ الدُّنُوِّ إِلَى السَّمَاءِ. وَقَالَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَتِ الشَّيَاطِينُ فِي الْفَتْرَةِ تَسْمَعُ فَلَا تُرْمَى، فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُمِيَتْ بِالشُّهُبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ عَنْ هَذَا وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً أَيْ: لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِأَهْلِ الْأَرْضِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْحِرَاسَةِ لِلسَّمَاءِ، أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا، أَيْ: خَيْرًا. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ:

قَالَ إِبْلِيسُ: لَا نَدْرِي أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا الْمَنْعِ أَنْ يُنْزِلَ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ عَذَابًا، أَوْ يُرْسِلُ إِلَيْهِمْ رَسُولًا، وَارْتِفَاعُ أَشَرٌّ عَلَى الِاشْتِغَالِ، أَوْ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ مَا بَعْدَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَالْجُمْلَةُ سَادَّةٌ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ نَدْرِي، وَالْأَوْلَى أَنَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْجِنِّ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَلَيْسَ مِنْ قَوْلِ إِبْلِيسَ كَمَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ أَيْ: قَالَ بَعْضٌ لِبَعْضٍ لَمَّا دَعَوْا أَصْحَابَهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَّا كُنَّا قَبْلَ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ مِنَّا الْمَوْصُوفُونَ بِالصَّلَاحِ، وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ أَيْ: قَوْمٌ دُونَ ذَلِكَ، أَيْ: دُونَ الْمَوْصُوفِينَ بِالصَّلَاحِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِ «الصَّالِحُونَ» الْمُؤْمِنِينَ، وَبِمَنْ هُمْ دُونَ ذَلِكَ الْكَافِرِينَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَمَعْنَى كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً أَيْ:

جَمَاعَاتٍ مُتَفَرِّقَةً وَأَصْنَافًا مُخْتَلِفَةً، وَالْقِدَةُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ، وَصَارَ الْقَوْمُ قِدَدًا إِذَا تَفَرَّقَتْ أَحْوَالُهُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الْهَادِي لِطَاعَتِهِ ... فِي فِتْنَةِ النَّاسِ إِذْ أَهْوَاؤُهُمْ قِدَدُ

وَالْمَعْنَى: كنا ذوي طرائق قددا، أَوْ كَانَتْ طَرَائِقُنَا طَرَائِقَ قِدَدًا، أَوْ كُنَّا مِثْلَ طَرَائِقَ قِدَدًا، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ لَبِيدٍ:

لَمْ تَبْلُغِ الْعَيْنُ كُلَّ نَهْمَتِهَا ... يَوْمَ تَمْشِي الْجِيَادُ بِالْقِدَدِ

وَقَوْلُهُ أَيْضًا:

وَلَقَدْ قُلْتُ وَزَيْدٌ حَاسِرٌ ... يَوْمَ وَلَّتْ خَيْلُ عَمْرٍو قِدَدًا

قَالَ السُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ: أَدْيَانًا مُخْتَلِفَةً، وَقَالَ قَتَادَةُ: أَهْوَاءً مُتَبَايِنَةً. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: كَانُوا مُسْلِمِينَ ويهود ونصارى ومجوس، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ. قَالَ الْحَسَنُ: الْجِنُّ أَمْثَالُكُمْ قَدَرِيَّةٌ وَمُرْجِئَةٌ وَرَافِضَةٌ وَشِيعَةٌ، وَكَذَا قَالَ السُّدِّيُّ: وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ الظَّنُّ هُنَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ، أَيْ: وَإِنَّا عَلِمْنَا أَنَّ الشَّأْنَ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ أَيْنَمَا كُنَّا فِيهَا، وَلَنْ نَفُوتَهُ إِنْ أَرَادَ بِنَا أَمْرًا وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً أَيْ: هَارِبِينَ مِنْهَا، فَهُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى يَعْنُونَ الْقُرْآنَ آمَنَّا بِهِ وَصَدَّقْنَا أَنَّهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>