للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مُنْتَصِبٌ عَلَى التمييز لإحدى لتضمنها معنى التعظم كَأَنَّهُ قِيلَ: أَعْظَمُ الْكِبَرِ إِنْذَارًا، وَقِيلَ: إِنَّهُ مَصْدَرٌ مَنْصُوبٌ بِأَنْذَرَ الْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، وَقِيلَ: مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ أَعْنِي، وَقِيلَ:

مَنْصُوبٌ بِتَقْدِيرِ: ادْعُ، وَقِيلَ: مَنْصُوبٌ بِتَقْدِيرِ: نَادِ أَوْ بَلِّغْ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَإِنَّهَا لِإِحْدَى الْكُبَرُ لِأَجْلِ إِنْذَارِ الْبَشَرِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالنَّصْبِ، وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هِيَ نَذِيرٌ، أَوْ هُوَ نَذِيرٌ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي النَّذِيرِ، فَقَالَ الْحَسَنُ: هِيَ النَّارُ، وَقِيلَ: محمد صلى الله عليه وسلم. وقال أبو رَزِينٍ: الْمَعْنَى أَنَا نَذِيرٌ لَكُمْ مِنْهَا، وَقِيلَ: الْقُرْآنُ نَذِيرٌ لِلْبَشَرِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ هُوَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ لِلْبَشَرِ، أَيْ: نَذِيرًا لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَى الطَّاعَةِ أَوْ يَتَأَخَّرَ عَنْهَا، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْإِنْذَارَ قَدْ حَصَلَ لِكُلِّ مِنْ آمَنَ وَكَفَرَ، وَقِيلَ: فَاعِلُ الْمَشِيئَةِ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، أَيْ: لِمَنْ شاء أَنْ يَتَقَدَّمَ مِنْكُمْ بِالْإِيمَانِ أَوْ يَتَأَخَّرَ بِالْكُفْرِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَقَالَ السُّدِّيُّ: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَى النَّارِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا، أَوْ يَتَأَخَّرَ إِلَى الْجَنَّةِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا سَمِعَ أَبُو جَهْلٍ عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ. قَالَ لِقُرَيْشٍ: ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ، أَسْمَعُ ابْنَ أَبِي كَبْشَةَ يُخْبِرُكُمْ أَنَّ خَزَنَةَ جَهَنَّمَ تِسْعَةَ عَشَرَ وَأَنْتُمُ الدُّهْمُ «١» ، أَفَيَعْجَزُ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْكُمْ أَنْ يَبْطِشُوا بِرَجُلٍ مِنْ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ؟. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا قَالَ: قَالَ أَبُو الْأَشَدِّ: خَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ أَنَا أَكْفِيكُمْ مؤونتهم، قال: وحدّثت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ خُزَّانَ جَهَنَّمَ فَقَالَ: «كَأَنَّ أَعْيُنَهُمُ الْبَرْقُ، وَكَأَنَّ أَفْوَاهَهُمُ الصَّيَاصِيُّ، يَجُرُّونَ أَشْعَارَهُمْ، لَهُمْ مِثْلُ قُوَّةِ الثَّقَلَيْنِ، يُقْبِلُ أَحَدُهُمْ بِالْأُمَّةِ مِنَ النَّاسِ يَسُوقُهُمْ وعلى رَقَبَتِهِ جَبَلٍ حَتَّى يَرْمِيَ بِهِمْ فِي النَّارِ فيرمي بالجبل عليهم» . وأخرج الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسَرِيَ بِهِ قَالَ: «فَصَعِدْتُ أَنَا وَجِبْرِيلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَإِذَا أَنَا بِمَلَكٍ يُقَالُ لَهُ إِسْمَاعِيلُ وَهُوَ صَاحِبُ سَمَاءِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ يَدَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ مَعَ كُلِّ مَلَكٍ جُنْدُهُ مِائَةُ أَلْفٍ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ» . وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أُصْبُعٍ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ» . وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ:

حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَيُرْوَى عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَوْقُوفًا.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذْ أَدْبَرَ قَالَ: دُبُورُ ظَلَامِهِ. وَأَخْرَجَ مُسَدَّدٌ في مسنده وعبد ابن حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ فَسَكَتَ عَنِّي حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَسَمِعَ الْأَذَانَ نَادَانِي: يَا مُجَاهِدُ هَذَا حِينَ دَبَرَ اللَّيْلُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ قَالَ: مَنْ شَاءَ اتَّبَعَ طَاعَةَ اللَّهِ، وَمَنْ شَاءَ تَأَخَّرَ عنها.


(١) . «الدهم» : أي العدد الكثير والشجعان.

<<  <  ج: ص:  >  >>