للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُنَوَّنٌ أَوْ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَصْرِفُ جَمِيعَ مَا لَا يَنْصَرِفُ كَمَا حَكَاهُ الْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْكُوفِيِّينَ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ.

قَالَ الْأَخْفَشُ: سَمِعْنَا مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَصْرِفُ كُلَّ مَا لَا يَنْصَرِفُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَسْمَاءِ الصَّرْفُ وَتَرَكَ الصَّرْفَ لِعَارِضٍ فِيهَا. قَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَجُرُّ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا إِلَّا قَوْلُهُمْ: هُوَ أَظْرَفُ مِنْكَ فَإِنَّهُمْ لَا يَجُرُّونَهُ، وَأَنْشَدَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:

كَأَنَّ سُيُوفَنَا فِينَا وَفِيهِمْ ... مَخَارِيقٌ بِأَيْدِي لَاعِبِينَا

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَإِذَا الرِّجَالُ رَأَوْا يَزِيدَ رَأَيْتَهُمْ ... خُضُعَ الرِّقَابِ نَوَاكِسِ الْأَبْصَارِ

بِكَسْرِ السِّينِ مِنْ نَوَاكِسِ، وَقَوْلُ لَبِيَدٍ:

وجزور أستار دعوت لحتفها ... بمغالق مُتَشَابِهٌ أَعْلَاقُهَا

وَقَوْلُهُ أَيْضًا:

فَضْلًا وَذُو كَرَمٍ يعين على النّدى ... سمح كسوب رَغَائِبٍ غَنَّامُهَا

وَقِيلَ: إِنَّ التَّنْوِينَ لِمُوَافَقَةِ رَسْمِ الْمَصَاحِفِ الْمَكِّيَّةِ وَالْمَدَنِيَّةِ وَالْكُوفِيَّةِ فَإِنَّهَا فِيهَا بِالْأَلِفِ، وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا التَّنْوِينَ بَدَلٌ مِنْ حَرْفِ الْإِطْلَاقِ، وَيَجْرِي الْوَصْلُ مَجْرَى الْوَقْفِ، وَالسَّلَاسِلُ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا، وَالْخِلَافُ فِيهَا هَلْ هِيَ الْقُيُودُ، أَوْ مَا يُجْعَلُ فِي الْأَعْنَاقِ، كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

... وَلَكِنْ ... أَحَاطَتْ بِالرِّقَابِ السَّلَاسِلُ وَالْأَغْلَالُ

جَمْعُ غُلٍّ تُغَلُّ بِهِ الْأَيْدِي إِلَى الْأَعْنَاقِ، وَالسَّعِيرُ: الْوَقُودُ الشَّدِيدُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ السَّعِيرِ.

ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا أَعَدَّهُ لِلشَّاكِرِينَ فَقَالَ: إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ الْأَبْرَارُ: أَهْلُ الطَّاعَةِ وَالْإِخْلَاصِ وَالصِّدْقُ، جَمْعُ بَرٍّ أَوْ: بَارٍّ. قَالَ فِي الصَّحَّاحِ: جَمْعُ الْبَرِّ الْأَبْرَارُ، وَجَمْعُ الْبَارِّ الْبَرَرَةُ، وَفُلَانٌ يَبَرُّ خَالِقَهُ وَيَبْرُرُهُ، أَيْ: يُطِيعُهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْبَرُّ الَّذِي لَا يُؤْذِي الذَّرَّ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْأَبْرَارُ الَّذِينَ يُؤَدُّونَ حَقَّ اللَّهِ وَيُوفُونَ بِالنَّذْرِ. وَالْكَأْسُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْإِنَاءُ الَّذِي فِيهِ الشَّرَابُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ الشَّرَابُ لَمْ يُسَمَّ كَأْسًا، وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ بِالزُّجَاجَةِ، بَلْ يَكُونُ مِنَ الزُّجَاجِ وَمِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالصِّينِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَتْ كَاسَاتُ الْعَرَبِ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَقَدْ يُطْلَقُ الْكَأْسُ عَلَى نَفْسِ الْخَمْرِ كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَكَأْسٌ شُرِبْتُ عَلَى لَذَّةٍ ... وَأُخْرَى تَدَاوَيْتُ مِنْهَا بِهَا

كانَ مِزاجُها كافُوراً أَيْ: يُخَالِطُهَا وَتُمْزَجُ بِهِ، يُقَالُ مَزَجَهُ يَمْزُجُهُ مَزْجًا، أَيْ: خلطه يخلطه خلطا، ومنه قول الشاعر «١» :


(١) . هو حسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>