مِنَ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِهِمَا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يُوفُونَ إِذَا نَذَرُوا فِي حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَالنَّذْرُ فِي الشَّرْعِ: مَا أَوْجَبَهُ الْمُكَلَّفُ عَلَى نَفْسِهِ، فَالْمَعْنَى: يُوفُونَ بِمَا أَوْجَبُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. قَالَ الْفَرَّاءُ: فِي الْكَلَامِ إِضْمَارٌ، أَيْ: كَانُوا يُوفُونَ بالنذر في الدنيا. وقال الكلبي: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ أَيْ: يُتَمِّمُونَ الْعَهْدَ. وَالْأَوْلَى حَمْلُ النَّذْرِ هُنَا عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ. وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً الْمُرَادُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَعْنَى اسْتِطَارَةُ شَرِّهِ: فَشُوُّهَ وَانْتِشَارُهُ، يُقَالُ: اسْتَطَارَ يَسْتَطِيرُ اسْتِطَارَةً فَهُوَ مُسْتَطِيرٌ، وَهُوَ اسْتَفْعَلَ مِنَ الطَّيَرَانِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
فبانت وقد أسأرت فِي الْفُؤَا ... دِ صَدْعًا عَلَى نَأْيِهَا مُسْتَطِيرَا
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: اسْتَطَارَ الصَّدْعُ فِي الْقَارُورَةِ وَالزُّجَاجَةِ إذا امتدّ، ويقال: استطار الحرق إِذَا انْتَشَرَ.
قَالَ الْفَرَّاءُ: الْمُسْتَطِيرُ: الْمُسْتَطِيلُ. قَالَ قَتَادَةُ: اسْتَطَارَ شَرُّ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتَّى مَلَأَ السموات وَالْأَرْضَ. قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ شَرُّهُ فَاشِيًا فِي السموات فَانْشَقَّتْ وَتَنَاثَرَتِ الْكَوَاكِبُ وَفَزِعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَفِي الْأَرْضِ نُسِفَتِ الْجِبَالُ وَغَارَتِ الْمِيَاهُ. وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً أَيْ: يُطْعِمُونَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ الْأَصْنَافِ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ لَدَيْهِمْ وَقِلَّتِهِ عِنْدَهُمْ. قَالَ مُجَاهِدٌ: عَلَى قِلَّتِهِ وَحُبِّهِمْ إِيَّاهُ وَشَهْوَتِهِمْ لَهُ فَقَوْلُهُ عَلى حُبِّهِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: كَائِنَيْنِ عَلَى حُبِّهِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ «١» وَقِيلَ: عَلَى حُبِّ الْإِطْعَامِ لِرَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرِ. قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: عَلَى حُبِّ إِطْعَامِ الطَّعَامِ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي حُبِّهِ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ، أَيْ: يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّ اللَّهِ، أَيْ: يُطْعِمُونَ إِطْعَامًا كَائِنًا عَلَى حُبِّ اللَّهِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ: إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ وَالْمِسْكِينُ: ذُو الْمَسْكَنَةِ، وَهُوَ الْفَقِيرُ، أَوْ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ مِنَ الْفَقِيرِ، وَالْمُرَادُ بِالْيَتِيمِ يَتَامَى الْمُسْلِمِينَ، وَالْأَسِيرُ: الَّذِي يُؤْسَرُ فَيُحْبَسُ. قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: الْأَسِيرُ: الْمَحْبُوسُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْأَسِيرُ: الْعَبْدُ. وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ: الْأَسِيرُ: الْمَرْأَةُ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: نَسَخَ هَذَا الْإِطْعَامَ آيَةُ الصَّدَقَاتِ وَآيَةُ السَّيْفِ فِي حَقِّ الْأَسِيرِ الْكَافِرِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ هِيَ مُحْكَمَةٌ، وَإِطْعَامُ الْمِسْكِينِ وَالْيَتِيمِ عَلَى التَّطَوُّعِ، وَإِطْعَامُ الْأَسِيرِ لِحِفْظِ نَفْسِهِ إلّا أَنْ يَتَخَيَّرَ فِيهِ الْإِمَامُ، وَجُمْلَةُ إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ بِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ، أَيْ: يَقُولُونَ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ، أَوْ قَائِلِينَ: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ، يَعْنِي: أَنَّهُمْ لَا يَتَوَقَّعُونَ الْمُكَافَأَةَ وَلَا يُرِيدُونَ ثَنَاءَ النَّاسِ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ. قال الواحدي: قال المفسرون: لم يَسْتَكْمِلُوا بِهَذَا، وَلَكِنْ عَلِمَهُ اللَّهُ مِنْ قُلُوبِهِمْ فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ، وَعَلِمَ مِنْ ثَنَائِهِ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ وَرَجَاءَ ثَوَابِهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً أَيْ: لَا نَطْلُبُ مِنْكُمُ الْمُجَازَاةَ عَلَى هَذَا الْإِطْعَامِ وَلَا نُرِيدُ مِنْكُمُ الشُّكْرَ لَنَا، بَلْ هُوَ خَالِصٌ لِوَجْهِ اللَّهِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا، لِأَنَّ مَنْ أَطْعَمَ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا يُرِيدُ الْمُكَافَأَةَ وَلَا يَطْلُبُ الشُّكْرَ لَهُ مِمَّنْ أَطْعَمَهُ إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً أَيْ: نَخَافُ عَذَابَ يَوْمٍ مُتَّصِفٍ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ. وَمَعْنَى عَبُوسًا:
أَنَّهُ يَوْمٌ تَعْبِسُ فِيهِ الْوُجُوهُ مِنْ هَوْلِهِ وَشِدَّتِهِ، فَالْمَعْنَى: أَنَّهُ ذُو عَبُوسٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَالْمُبَرِّدُ: يَوْمٌ قَمْطَرِيرٌ
(١) . آل عمران: ٩٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute