رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ ويا لله الْعَجَبُ مِنْ قَوْمٍ لَمْ يَكْتَفُوا بِتَقْصِيرِهِمْ فِي عِلْمِ السُّنَّةِ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْ خَيْرِ الْعُلُومِ وَأَنْفَعِهَا، حَتَّى كَلَّفُوا أَنْفُسَهُمُ التَّكَلُّمَ عَلَى أَحْكَامِ اللَّهِ، والتجرؤ عَلَى تَفْسِيرِ كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هدى، فجاؤوا بِمَا يُضْحَكُ مِنْهُ تَارَةً وَيُبْكَى مِنْهُ أُخْرَى. قَوْلُهُ: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ الْقُنُوتُ: قِيلَ: هُوَ الطَّاعَةُ، أَيْ: قُومُوا لِلَّهِ فِي صَلَاتِكُمْ طَائِعِينَ، قَالَهُ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَطَاءٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جبير، والضحاك، والشافعي. وَقِيلَ:
هُوَ الْخُشُوعُ، قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ وَمُجَاهِدٌ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
قَانِتًا لِلَّهِ يَدْعُو رَبَّهُ ... وَعَلَى عَمْدٍ مِنَ النَّاسِ اعْتَزَلْ
وَقِيلَ: هُوَ الدُّعَاءُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ. وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّ الْقُنُوتَ طُولُ الْقِيَامِ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: سَاكِتِينَ، قَالَهُ السُّدِّيُّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُكَلِّمُ صَاحِبَهُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فِي الْحَاجَةِ فِي الصَّلَاةِ، حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ. وَقِيلَ: أَصْلُ الْقُنُوتِ فِي اللُّغَةِ: الدَّوَامُ عَلَى الشَّيْءِ، فَكُلُّ مَعْنًى يُنَاسِبُ الدَّوَامَ يَصِحُّ إِطْلَاقُ الْقُنُوتِ عَلَيْهِ. وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ: أَنَّ للقنوت ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَعْنًى، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَقَى، وَالْمُتَعَيِّنُ هَاهُنَا حَمْلُ الْقُنُوتِ عَلَى السُّكُوتِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً الْخَوْفُ: هُوَ الْفَزَعُ، وَالرِّجَالُ: جَمْعُ رَجُلٍ أَوْ رَاجِلٍ، مِنْ قَوْلِهِمْ رَجِلَ الْإِنْسَانُ يَرْجَلُ رَاجِلًا: إِذَا عَدِمَ الْمَرْكُوبَ وَمَشَى عَلَى قَدَمَيْهِ فَهُوَ رَجُلٌ وَرَاجِلٌ. يَقُولُ أَهْلُ الْحِجَازِ:
مَشَى فُلَانٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ حَافِيًا رَجُلًا. حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ. لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْأَمْرَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ، ذَكَرَ حَالَةَ الْخَوْفِ أَنَّهُمْ يُضِيعُونَ فِيهَا مَا يُمْكِنُهُمْ وَيَدْخُلُ تَحْتَ طَوْقِهِمْ مِنَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ بِفِعْلِهَا حَالَ التَّرَجُّلِ وَحَالَ الرُّكُوبِ، وَأَبَانَ لَهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ لَازِمَةٌ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حدّ الخوف المبيح لذلك، والبحث مستوفى فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ: فَإِذا أَمِنْتُمْ أَيْ:
إِذَا زَالَ خَوْفُكُمْ فَارْجِعُوا إِلَى مَا أُمِرْتُمْ بِهِ مِنْ إِتْمَامِ الصَّلَاةِ، مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ، قَائِمِينَ بِجَمِيعِ شُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ: خَرَجْتُمْ مِنْ دَارِ السَّفَرِ إِلَى دَارِ الْإِقَامَةِ، وَهُوَ خِلَافُ مَعْنَى الْآيَةِ. وَقَوْلُهُ: كَما عَلَّمَكُمْ أَيْ: مِثْلُ مَا عَلَّمَكُمْ مِنَ الشَّرَائِعِ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ وَالْكَافُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: ذِكْرًا كَائِنًا كَتَعْلِيمِهِ إِيَّاكُمْ، أَوْ: مِثْلُ تَعْلِيمِهِ إِيَّاكُمْ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْتَلِفِينَ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى هَكَذَا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى؟
فَقَالَ: هِيَ فِيهِنَّ فَحَافِظُوا عَلَيْهِنَّ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى فَقَالَ: حَافِظْ عَلَى الصَّلَوَاتِ تُدْرِكْهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ: أَنَّ سَائِلًا سَأَلَهُ عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، قَالَ: حَافِظْ عَلَيْهِنَّ فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ أَصَبْتَهَا، إِنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سُئِلَ شُرَيْحٌ عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، فَقَالَ: حَافِظُوا عَلَيْهَا تُصِيبُوهَا. وَقَدْ قَدَّمْنَا