للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحُورُ أَيْضًا الْهَلَكَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ «١» :

فِي بئر لا حور سرى وَمَا شَعَرَ

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَيْ فِي بِئْرِ حُورٍ، وَلَا زَائِدَةٌ بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً «بَلَى» إِيجَابٌ لِلْمَنْفِيِّ بِلَنْ، أَيْ: بَلَى لَيَحُورَنَّ وَلَيُبْعَثَنَّ. ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً أَيْ: كَانَ بِهِ وَبِأَعْمَالِهِ عَالِمًا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا خَافِيَةٌ. قَالَ الزَّجَّاجُ: كَانَ بِهِ بَصِيرًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ عَالِمًا بِأَنَّ مَرْجِعَهُ إِلَيْهِ فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ «لَا» زَائِدَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الِاخْتِلَافَ فِيهَا فِي سُورَةِ الْقِيَامَةِ فَارْجِعْ إِلَيْهِ، وَالشَّفَقُ:

الْحُمْرَةُ الَّتِي تَكُونُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى وَقْتِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: هَذَا قَوْلُ الْمُفَسِّرِينَ وَأَهْلِ اللُّغَةِ جَمِيعًا. قَالَ الْفَرَّاءُ: سَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ: عَلَيْهِ ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ كَأَنَّهُ الشَّفَقُ وَكَانَ أَحْمَرَ، وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ. وَقَالَ أَسَدُ بْنُ عمرو وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: إِنَّهُ الْبَيَاضُ، وَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْقَوْلِ وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُ لَا مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ وَلَا مِنَ الشَّرْعِ. قَالَ الْخَلِيلُ: الشَّفَقُ:

الْحُمْرَةُ مِنْ غُرُوبِ الشمس إلى وقت العشاء الآخرة. قال في الصحاح: الشفق: بقية ضوء الشَّمْسِ وَحُمْرَتُهَا فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى قَرِيبِ الْعَتَمَةِ، وَكُتُبُ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ مُطْبِقَةٌ عَلَى هَذَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

قُمْ يَا غُلَامُ أَعِنِّي غَيْرَ مُرْتَبِكٍ ... عَلَى الزَّمَانِ بِكَأْسٍ حَشْوُهَا شَفَقُ

وقال آخر:

وأحمر اللّون كمحمرّ الشَّفَقِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الشَّفَقُ: النَّهَارُ كُلُّهُ، أَلَا تَرَاهُ قَالَ: وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ مَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ، وَإِنَّمَا قَالَا هَذَا لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى أَقْسَمَ بِالضِّيَاءِ وَالظَّلَامِ، وَلَا وَجْهَ لِهَذَا، عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ: الشَّفَقُ: الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وروي عن أسد بن عمرو الرُّجُوعُ وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ الْوَسَقُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ: ضَمُّ الشَّيْءِ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ، يُقَالُ: اسْتَوْسَقَتِ الْإِبِلُ إِذَا اجْتَمَعَتْ وَانْضَمَّتْ، وَالرَّاعِي يَسِقُهَا، أَيْ: يَجْمَعُهَا. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْمُفَسِّرُونَ يَقُولُونَ: وَمَا جَمَعَ وَضَمَّ وَحَوَى وَلَفَّ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ جَمَعَ وَضَمَّ مَا كَانَ مُنْتَشِرًا بِالنَّهَارِ فِي تَصَرُّفِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّيْلَ إِذَا أَقْبَلَ آوَى كُلُّ شَيْءٍ إِلَى مَأْوَاهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ ضَابِئِ بْنِ الحارث البرجميّ:

فإنّي وإيّاكم وشوقا إِلَيْكُمْ ... كَقَابِضٍ شَيْئًا لَمْ تَنَلْهُ أَنَامِلُهُ «٢»

وَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَما وَسَقَ أَيْ: وَمَا سَاقَ مِنْ شَيْءٍ إِلَى حَيْثُ يَأْوِي، فَجَعَلَهُ مِنَ السَّوْقِ لَا مِنَ الْجَمْعِ، وَقِيلَ: وَما وَسَقَ أَيْ: وَمَا جَنَّ وَسَتَرَ، وَقِيلَ: «وَمَا وَسَقَ» أَيْ: وما حمل، وكل شيء حملته فقد


(١) . هو العجاج.
(٢) . في تفسير القرطبي: كقابض ماء لم تسقه أنامله.

<<  <  ج: ص:  >  >>