لِأَنَّ الْمَعْدُودَ مُذَكَّرٌ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إِذَا حُذِفَ الْمَعْدُودُ جَازَ الْوَجْهَانِ. وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ الشَّفْعُ وَالْوَتْرُ يَعُمَّانِ كُلَّ الْأَشْيَاءِ شَفْعَهَا وَوَتْرَهَا، وَقِيلَ: شَفْعُ اللَّيَالِي وَوَتْرُهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: الشَّفْعُ وَالْوَتْرُ شفع الصلاة ووترها، منها شَفْعٌ وَمِنْهَا وَتْرٌ. وَقِيلَ: الشَّفْعُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَالْوَتْرُ: لَيْلَةُ يَوْمِ النَّحْرِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: الشَّفْعُ: الْخَلْقُ، وَالْوَتْرُ: اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَمَسْرُوقٌ وَأَبُو صَالِحٍ وَقَتَادَةُ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: هِيَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فِيهَا رَكْعَتَانِ وَالْوَتْرُ الرَّكْعَةُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ:
الشَّفْعُ: عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْوَتْرُ: أَيَّامُ مِنًى الثَّلَاثَةُ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ. وَقِيلَ: هُمَا آدَمُ وَحَوَّاءُ، لِأَنَّ آدَمَ كَانَ وَتْرًا فَشُفِعَ بِحَوَّاءَ. وَقِيلَ: الشَّفْعُ: دَرَجَاتُ الْجَنَّةِ وَهِيَ ثَمَانٍ، وَالْوَتْرُ: دَرَكَاتُ النَّارِ وَهِيَ سَبْعٌ، وَبِهِ قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ. وَقِيلَ: الشَّفْعُ الصَّفَا وَالْمَرْوَةُ، وَالْوَتْرُ: الْكَعْبَةُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الشَّفْعُ: الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي، وَالْوَتْرُ: الْيَوْمُ الَّذِي لَا لَيْلَةَ بَعْدَهُ، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: الْوَتْرُ: هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ الشَّفْعُ أَيْضًا لِقَوْلِهِ: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ «١» الْآيَةَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْمُرَادُ بِالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ: الْعَدَدُ كُلُّهُ لِأَنَّ الْعَدَدَ لَا يَخْلُو عَنْهُمَا. وَقِيلَ: الشفع: مسجد مكة والمدنية، وَالْوَتْرُ: مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَقِيلَ: الشَّفْعُ حَجُّ الْقِرَانِ، وَالْوَتْرُ: الْإِفْرَادُ. وَقِيلَ: الشَّفْعُ: الْحَيَوَانُ لِأَنَّهُ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، وَالْوَتْرُ:
الْجَمَادُ. وَقِيلَ: الشَّفْعُ: مَا سُمِّيَ، وَالْوَتْرُ: مَا لَا يُسَمَّى. وَلَا يَخْفَاكَ مَا فِي غَالِبِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مِنَ السُّقُوطِ البين والضعف الظاهر، والإنكار فِي التَّعْيِينِ عَلَى مُجَرَّدِ الرَّأْيِ الزَّائِفِ، وَالْخَاطِرِ الْخَاطِئِ.
وَالَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَعْنَى الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَهُمَا مَعْرُوفَانِ وَاضِحَانِ، فَالشَّفْعُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الزَّوْجُ، وَالْوَتْرُ: الْفَرْدُ. فَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ إِمَّا نَفْسُ الْعَدَدِ أَوْ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعْدُودَاتِ بِأَنَّهُ شَفْعٌ أَوْ وَتْرٌ. وَإِذَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِ شَيْءٍ مِنَ الْمَعْدُودَاتِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ نَفْسُهُ دُونَ غَيْرِهِ فَذَاكَ، وَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِمَّا تَنَاوَلَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ تَنَاوُلِهَا لِغَيْرِهِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «وَالْوَتْرُ» بِفَتْحِ الْوَاوِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ بِكَسْرِهَا، وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابِهِ وَهُمَا لُغَتَانِ، وَالْفَتْحُ لُغَةُ قُرَيْشٍ وَأَهْلِ الْحِجَازِ، وَالْكَسْرُ لُغَةُ تَمِيمٍ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كُلُّ فَرْدِ وِتْرٌ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَفْتَحُونَ فَيَقُولُونَ وَتْرٌ فِي الْفَرْدِ. وَحَكَى يُونُسُ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُ قَرَأَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ التَّاءِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لُغَةً ثَالِثَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَقَلَ كَسْرَةَ الرَّاءِ إِلَى التَّاءِ إِجْرَاءً لِلْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ يَسْرِ بِحَذْفِ الْيَاءِ وَصْلًا وَوَقْفًا اتِّبَاعًا لِرَسْمِ الْمُصْحَفِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو بِحَذْفِهَا فِي الْوَقْفِ وَإِثْبَاتِهَا فِي الْوَصْلِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَيَعْقُوبُ بِإِثْبَاتِهَا فِي الوصل والوقف. قال الخليل: تسقط الياء مُوَافَقَةً لِرُؤُوسِ الْآيِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْحَذْفُ أَحَبُّ إِلَيَّ لِأَنَّهَا فَاصِلَةٌ وَالْفَوَاصِلُ تُحْذَفُ مِنْهَا الْيَاءَاتُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: قَدْ تَحْذِفُ الْعَرَبُ الْيَاءَ وَتَكْتَفِي بِكَسْرِ مَا قَبْلَهَا، وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:
كَفَّاكَ كَفٌّ مَا تُلِيقُ دِرْهَمًا ... جُودًا وَأُخْرَى تُعْطِ بِالسَّيْفِ الدّما
(١) . المجادلة: ٧.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute