للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْيَمِينِ وَبَعْضَهُمْ إِلَى جِهَةِ الشَّمَالِ، مَعَ تَفَرُّقِهِمْ فِي الْأَدْيَانِ وَاخْتِلَافِهِمْ فِي الْأَعْمَالِ لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِيَصْدُرُ، وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ: تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «لِيُرَوْا» مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَهُوَ مِنْ رُؤْيَةِ الْبَصَرِ، أَيْ: لِيُرِيَهُمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ.

وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْأَعْرَجُ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنْ نَافِعٍ، وَالْمَعْنَى: لِيَرَوْا جَزَاءَ أعمالهم فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ أَيْ: وَزْنَ نَمْلَةٍ، وَهِيَ أَصْغَرُ مَا يَكُونُ من النمل. قال مقاتل: فمن يعمل في الدنيا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي كتابه فيفرح به، وَكذلك مَنْ يَعْمَلْ فِي الدُّنْيَا مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَسُوؤُهُ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ «١» . وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: إِنَّ الذَّرَّةَ هُوَ أَنْ يَضْرِبَ الرَّجُلُ بِيَدِهِ عَلَى الْأَرْضِ فَمَا عَلِقَ مِنَ التُّرَابِ فَهُوَ الذَّرَّةُ، وَقِيلَ: الذَّرُّ مَا يُرَى فِي شُعَاعِ الشَّمْسِ مِنَ الْهَبَاءِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

مِنَ الْقَاصِرَاتِ الطَّرْفِ لَوْ دَبَّ مُحْوِلٌ ... مِنَ الذَّرِّ فَوْقَ الْإِتْبِ مِنْهَا لَأَثَّرَا

وَ «مِنَ» الْأُولَى عِبَارَةٌ عَنِ السُّعَدَاءِ، وَ «مِنْ» الثَّانِيَةُ عِبَارَةٌ عَنِ الْأَشْقِيَاءِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ مِنْ كَافِرٍ يرى ثَوَابَهُ فِي الدُّنْيَا وَفِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا، وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ من شرّ من مؤمن يرى عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا فِي مَالِهِ وَنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا، وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ شَرٌّ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلْتُ فِي رَجُلَيْنِ كَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِيهِ السَّائِلُ فَيَسْتَقِلُّ أَنْ يُعْطِيَهُ التَّمْرَةَ وَالْكَسْرَةَ، وَكَانَ الْآخَرُ يَتَهَاوَنُ بِالذَّنْبِ الْيَسِيرِ وَيَقُولُ: إِنَّمَا أَوْعَدَ اللَّهُ النَّارَ عَلَى الْكَافِرِينَ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «يَرَهُ» فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِضَمِّ الْهَاءِ وَصْلًا وَسُكُونِهَا وَقْفًا، وَقَرَأَ هِشَامٌ بِسُكُونِهَا وَصْلًا وَوَقْفًا، وَنَقَلَ أَبُو حَيَّانَ عَنْ هِشَامٍ وَأَبِي بَكْرٍ سُكُونَهَا، وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو ضَمَّهَا مُشْبَعَةً، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِإِشْبَاعِ الْأُولَى وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ، وَفِي هَذَا النَّقْلِ نَظَرٌ، وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: «يَرَهُ» مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ ابْنَا عَلِيٍّ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَبُو حَيْوَةَ وَعَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا وَالْجَحْدَرِيُّ وَالسُّلَمِيُّ وَعِيسَى عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِيهِمَا، أَيْ: يُرِيهِ اللَّهُ إِيَّاهُ. وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ «يَرَاهُ» عَلَى تَوَهُّمِ أَنَّ مَنْ مَوْصُولَةٌ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ الْجَزْمِ بِحَذْفِ الْحَرَكَةِ الْمُقَدَّرَةِ فِي الْفِعْلِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها قَالَ: تَحَرَّكَتْ مِنْ أَسْفَلِهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها قَالَ: الْمَوْتَى وَقالَ الْإِنْسانُ مَا لَها قَالَ: الْكَافِرُ يَقُولُ: مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها قال: قال لها ربك قولي فقالت. بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها قال: أوحى إليها يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً قَالَ: مِنْ كُلٍّ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها قَالَ: الْكُنُوزُ وَالْمَوْتَى. وَأَخْرَجَ مسلم والترمذي عن أبي هريرة قال:


(١) . النساء: ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>