للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّقْعُ: شَقُّ الْجُيُوبِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: النَّقْعُ مَا بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنًى، وَقِيلَ: إِنَّهُ طَرِيقُ الْوَادِي. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: النَّقْعُ: الْغُبَارُ، وَالْجَمْعُ: أَنْقَاعٌ، وَالنَّقْعُ: مَحْبِسُ الْمَاءِ، وَكَذَلِكَ مَا اجْتَمَعَ فِي الْبِئْرِ مِنْهُ، وَالنَّقْعُ:

الْأَرْضُ الْحُرَّةُ الطِّينِ يَسْتَنْقِعُ فِيهَا الْمَاءُ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً أَيْ: تَوَسَّطْنَ بِذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ تَوَسَّطْنَ متلبسات بِالنَّقْعِ جَمْعًا مِنْ جُمُوعِ الْأَعْدَاءِ، أَوْ صِرْنَ بِعَدْوِهِنَّ وَسَطَ جَمْعِ الْأَعْدَاءِ، وَالْبَاءُ إِمَّا لِلتَّعْدِيَةِ، أَوْ لِلْحَالِيَّةِ، أَوْ زَائِدَةٌ يُقَالُ: وَسَطْتُ الْمَكَانَ، أَيْ: صِرْتُ فِي وَسَطِهِ، وَانْتِصَابُ «جَمْعًا» عَلَى أنه مفعول له، وَالْفَاءَاتُ فِي الْمَوَاضِعِ الْأَرْبَعَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَرَتُّبِ ما بعد كل واحد مِنْهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَوَسَطْنَ بِتَخْفِيفِ السِّينِ، وَقُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ بَعْضُ أَفْرَادِهِ، وَهُوَ الْكَافِرُ، وَالْكَنُودُ: الْكَفُورُ لِلنِّعْمَةِ، وَقَوْلُهُ: لِرَبِّهِ مُتَعَلِّقٌ بِكَنُودٍ، قُدِّمَ لِرِعَايَةِ الْفَوَاصِلِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

كَنُودٌ لِنَعْمَاءِ الرِّجَالِ وَمَنْ يَكُنْ ... كَنُودًا لِنَعْمَاءِ الرِّجَالِ يَبْعُدُ

أَيْ: كَفُورٌ لِنَعْمَاءِ الرِّجَالِ، وَقِيلَ: هُوَ الْجَاحِدُ لِلْحَقِّ، قِيلَ: إِنَّهَا إِنَّمَا سُمِّيَتْ كِنْدَةَ لِأَنَّهَا جَحَدَتْ أَبَاهَا.

وَقِيلَ: الْكَنُودُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْكَنْدِ، وَهُوَ الْقَطْعُ، كَأَنَّهُ قَطَعَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُوَاصِلَهُ مِنَ الشُّكْرِ. يُقَالُ كَنَدَ الْحَبْلَ:

إِذَا قَطَعَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:

وُصُولُ حِبَالٍ وَكَنَادُهَا «١»

وَقِيلَ: الْكَنُودُ: الْبَخِيلُ، وَأَنْشَدَ أَبُو زَيْدٍ:

إِنَّ نَفْسِي لَمْ تَطِبْ مِنْكَ نَفْسًا ... غَيْرَ أَنِّي أُمْسِي بِدَيْنٍ كَنُودِ

وَقِيلَ: الْكَنُودُ: الْحَسُودُ، وَقِيلَ: الْجَهُولُ لِقَدْرِهِ، وَتَفْسِيرُ الْكَنُودِ بِالْكَفُورِ لِلنِّعْمَةِ أَوْلَى بِالْمَقَامِ، وَالْجَاحِدُ لِلنِّعْمَةِ كَافِرٌ لَهَا، وَلَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ سَائِرُ مَا قِيلَ، وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ أَيْ: وَإِنَّ الْإِنْسَانَ عَلَى كُنُودِهِ لَشَهِيدٌ يَشْهَدُ عَلَى نَفْسِهِ بِهِ لِظُهُورِ أَثَرِهِ عَلَيْهِ وَقِيلَ الْمَعْنَى: وَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَى ذَلِكَ مِنِ ابْنِ آدَمَ لَشَهِيدٌ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ بِالْأَوَّلِ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَهُوَ أَرْجَحُ مِنْ قَوْلِ الْجُمْهُورِ لِقَوْلِهِ: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ فَإِنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى الْإِنْسَانِ، وَالْمَعْنَى: إِنَّهُ لِحُبِّ الْمَالِ قَوِيٌّ مُجِدٌّ فِي طَلَبِهِ وَتَحْصِيلِهِ مُتَهَالِكٌ عَلَيْهِ، يُقَالُ: هُوَ شَدِيدٌ لِهَذَا الْأَمْرِ وَقَوِيٌّ لَهُ إِذَا كَانَ مُطِيقًا لَهُ، ومنه قوله تعالى: إِنْ تَرَكَ خَيْراً «٢» وَمِنْهُ قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ:

مَاذَا تُرَجِّي النُّفُوسُ مِنْ طَلَبِ الْ ... خَيْرِ وَحُبُّ الْحَيَاةِ كاربها «٣»


(١) . وصدر البيت: أميطي تميطي بصلب الفؤاد.
(٢) . البقرة: ١٨٠. [.....]
(٣) . أي غامّها، من كربه الأمر: أي اشتدّ عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>