للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَقْبُولَةٍ وَغَيْرِ مَقْبُولَةٍ، وَكُلَّ نَذْرٍ مَقْبُولٍ أَوْ غَيْرِ مَقْبُولٍ. وَقَوْلُهُ: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ فِيهِ مَعْنَى الْوَعْدِ لِمَنْ أَنْفَقَ وَنَذَرَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَقْبُولِ، وَالْوَعِيدُ لِمَنْ جَاءَ بِعَكْسِ ذَلِكَ. وَوَحَّدَ الضَّمِيرَ مَعَ كَوْنِ مَرْجِعِهِ شَيْئَيْنِ، هُمَا: النَّفَقَةُ وَالنَّذْرُ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهَا، أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ، ثُمَّ حُذِفَ أَحَدُهُمَا اسْتِغْنَاءً بِالْآخَرِ، قَالَهُ النَّحَّاسُ وَقِيلَ: إِنَّ مَا كَانَ الْعَطْفُ فِيهِ بِكَلِمَةِ «أَوْ» كَمَا فِي قَوْلِكَ: زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو، فَإِنَّهُ يُقَالُ: أَكْرَمْتُهُ وَلَا يقال أكرمتها، والأولى أن يقال إن العطف بأو يَجُوزُ فِيهِ الْأَمْرَانِ: تَوْحِيدُ الضَّمِيرِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها «١» . وَقَوْلِهِ: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً

«٢» ، وَتَثْنِيَتُهُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما «٣» وَمِنَ الْأَوَّلِ فِي الْعَطْفِ بِالْوَاوِ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

فَتُوضِحَ فَالْمِقْرَاةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُهَا ... لِمَا نسجتها مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ

وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا ... عِنْدَكَ رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفُ

وَمِنْهُ: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها «٤» وقيل: إنه إذا وحد الضَّمِيرُ بَعْدَ ذِكْرِ شَيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ فَهُوَ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ، أَيْ: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْمَذْكُورَ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَرَجَّحَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَذَكَرَ مَعْنَاهُ كَثِيرٌ مِنَ النُّحَاةِ فِي مُؤَلَّفَاتِهِمْ. قَوْلُهُ: وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ أَيْ: مَا لِلظَّالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ- بِمَا وَقَعُوا فِيهِ مِنَ الْإِثْمِ لِمُخَالَفَةِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْإِنْفَاقِ فِي وجوه الخير- من أنصار ينصرونهم ويمنعونهم مِنْ عِقَابِ اللَّهِ، بِمَا ظَلَمُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَالْأَوْلَى الْحَمْلُ عَلَى الْعُمُومِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ لما يفيده السياق: أي: ما للظالمين بِأَيِّ مَظْلَمَةٍ كَانَتْ مِنْ أَنْصَارٍ. قَوْلُهُ: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ قُرِئَ: بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ، وَبِكَسْرِهِمَا وَبِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ، وَبِكَسْرِ النُّونِ وَإِخْفَاءِ حَرَكَةِ الْعَيْنِ. وَقَدْ حَكَى النَّحْوِيُّونَ فِي «نِعِمَّ» : أَرْبَعَ لُغَاتٍ، وَهِيَ هَذِهِ الَّتِي قُرِئَ بِهَا، وَفِي هَذَا نَوْعُ تَفْصِيلٍ لِمَا أُجْمِلَ فِي الشَّرْطِيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، أَيْ:

إِنْ تُظْهِرُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّ شَيْئًا إِظْهَارُهَا، وَإِنْ تُخْفُوهَا وتصيبوا بِهَا مَصَارِفَهَا مِنَ الْفُقَرَاءِ فَالْإِخْفَاءُ خَيْرٌ لَكُمْ.

وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، لَا فِي صَدَقَةِ الْفَرْضِ، فَلَا فَضِيلَةَ لِلْإِخْفَاءِ فِيهَا، بَلْ قَدْ قِيلَ: إِنَّ الْإِظْهَارَ فِيهَا أَفْضَلُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّ الْإِخْفَاءَ أَفْضَلُ فِي الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ. قَوْلُهُ:

وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ، وقتادة، وابن إسحاق: نكفر بالنون والرفع. وقرأ ابن عامر، وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ: بِالْيَاءِ وَالرَّفْعِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ، وَنَافِعٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ: بِالنُّونِ وَالْجَزْمِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَالْجَزْمِ. وقرأ الحسين ابن عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ بِالنُّونِ وَنَصْبِ الرَّاءِ. فَمَنْ قَرَأَ بِالرَّفْعِ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحَلِّ الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ جَوَابًا بَعْدَ الْفَاءِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مبتدأ محذوف. ومن يقرأ بِالْجَزْمِ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْفَاءِ وَمَا بَعْدَهَا. وَمَنْ قَرَأَ بِالنَّصْبِ فَعَلَى تَقْدِيرِ: أَنْ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَالرَّفْعُ هَاهُنَا الْوَجْهُ الْجَيِّدُ، وَأَجَازَ الْجَزْمَ بتأويل: وإن تخفوها يكن الإخفاء خيرا


(١) . الجمعة: ١١.
(٢) . النساء: ١١٢.
(٣) . النساء: ١٣٥.
(٤) . التوبة: ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>