كَانَتِ الْبُيُوتُ قَبْلَهُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِعِبَادَةِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلُ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ:
الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ الْبَيْتَ قَبْلَ الْأَرْضِ بِأَلْفَيْ سَنَةٍ، وَكَانَ إِذْ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ زُبْدَةً بَيْضَاءَ، وَكَانَتِ الأرض تحته كأنّها حشفة دحيت الْأَرْضُ مِنْ تَحْتِهِ» . وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْأَزْرَقِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: بَلَغْنَا أَنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ: بَيْتُ الْمَقْدِسِ أَعْظَمُ مِنَ الْكَعْبَةِ لِأَنَّهُ مُهَاجَرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَلِأَنَّهُ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: بَلِ الْكَعْبَةُ أَعْظَمُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ:
إِنَّمَا سُمِّيَتْ: بَكَّةُ، لِأَنَّ النَّاسَ يَجِيئُونَ إِلَيْهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حُجَّاجًا. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ: بَكَّةُ، لِأَنَّ النَّاسَ يَتَبَاكَوْنَ فِيهَا، أَيْ: يَزْدَحِمُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ فِي قَوْلِهِ: مُبارَكاً قَالَ: جُعِلَ فِيهِ الْخَيْرُ وَالْبَرَكَةُ: وَهُدىً لِلْعالَمِينَ يَعْنِي: بِالْهُدَى قِبْلَتَهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ فَمِنْهُنَّ:
مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَالْمَشْعَرُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ قَالَ:
مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ. وَأَخْرَجَ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ نَحْوَهُ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً قَالَ: كَانَ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ لَوْ جَرَّ كُلَّ جَرِيرَةٍ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ لَمْ يُتَنَاوَلْ وَلَمْ يُطْلَبْ، فَأَمَّا فِي الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ سَرَقَ فِيهِ قُطِعَ، وَمَنْ زَنَى فِيهِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَمَنْ قَتَلَ فِيهِ قُتِلَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْأَزْرَقِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: لَوْ وَجَدْتُ فِيهِ قَاتِلَ الْخَطَّابِ مَا مَسِسْتُهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً قَالَ: مَنْ عَاذَ بِالْبَيْتِ أَعَاذَهُ الْبَيْتُ، وَلَكِنْ لَا يُؤْوَى، وَلَا يُطْعَمُ، وَلَا يُسْقَى، فَإِذَا خَرَجَ أُخِذَ بِذَنْبِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ طُرُقٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قَالَ: لَوْ وَجَدْتُ قَاتِلَ أَبِي فِي الْحَرَمِ لَمْ أَعْرِضْ لَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَوْ وَجَدْتُ قَاتِلَ أَبِي فِي الْحَرَمِ مَا هِجْتُهُ. وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ، وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ قَالَ: قَامَ النبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ فَقَالَ: «إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يُعْضَدَ بِهَا شَجَرَةٌ، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَقُولُوا: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي سَاعَةً من نهار ثم عادت حرمتها كَحُرْمَتِهَا أَمْسِ» . وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فَقِيلَ: مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute