لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، وَثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَأَرْبَعًا أَرْبَعًا.
وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِالْآيَةِ: عَلَى تَحْرِيمِ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ، وَبَيَّنُوا ذَلِكَ: بِأَنَّهُ خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّ كُلَّ نَاكِحٍ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مَا أَرَادَ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ، كَمَا يُقَالُ لِلْجَمَاعَةِ: اقْتَسِمُوا هَذَا الْمَالَ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، أَوْ: هَذَا الْمَالَ الَّذِي فِي الْبُدْرَةِ: دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ، وَثَلَاثَةً ثَلَاثَةً، وَأَرْبَعَةً أَرْبَعَةً. وَهَذَا مُسَلَّمٌ إِذَا كَانَ الْمَقْسُومُ قَدْ ذُكِرَتْ جُمْلَتُهُ أَوْ عُيِّنَ مَكَانُهُ، أَمَّا: لَوْ كَانَ مُطْلَقًا، كَمَا يُقَالُ: اقْتَسِمُوا الدَّرَاهِمَ، وَيُرَادُ بِهِ: مَا كَسَبُوهُ، فَلَيْسَ الْمَعْنَى هَكَذَا.
وَالْآيَةُ مِنَ الْبَابِ الْآخَرِ لَا مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ. عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِقَوْمٍ يَقْتَسِمُونَ مَالًا مُعَيَّنًا كَثِيرًا: اقْتَسِمُوهُ مَثْنَى، وَثُلَاثَ، وَرُبَاعَ، فَقَسَمُوا بَعْضَهُ بَيْنَهُمْ: دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ، وَبَعْضَهُ: ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً، وَبَعْضَهُ: أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً كَانَ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْعَرَبِيُّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِذَا قَالَ الْقَائِلُ: جَاءَنِي الْقَوْمُ مَثْنَى وَهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ، كَانَ الْمَعْنَى: أَنَّهُمْ جاءوه اثنين اثنين، وهكذا جاءني الْقَوْمُ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ، وَالْخِطَابُ لِلْجَمِيعِ بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ لكل فرد فرد، كما في قوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ «١» أَقِيمُوا الصَّلاةَ آتُوا الزَّكاةَ وَنَحْوِهَا فَقَوْلُهُ: فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ مَعْنَاهُ لِيَنْكِحْ كُلُّ فَرْدٍ مِنْكُمْ مَا طَابَ لَهُ مِنَ النِّسَاءِ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، وَثَلَاثًا وثلاثا، وَأَرْبَعًا أَرْبَعًا، هَذَا مَا تَقْتَضِيهِ لُغَةُ الْعَرَبِ. فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لِلْجَمِيعِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ. فَالْأَوْلَى أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ بِالسُّنَّةِ لَا بِالْقُرْآنِ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ مَنِ اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ التِّسْعِ بِاعْتِبَارِ الْوَاوِ الْجَامِعَةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: انْكِحُوا مَجْمُوعَ هَذَا الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ، فَهَذَا جَهْلٌ بالمعنى العربي، ولو قال: انكحوا ثنتين وَثَلَاثًا وَأَرْبَعًا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ لَهُ وَجْهٌ وَأَمَّا مَعَ الْمَجِيءِ بِصِيغَةِ الْعَدْلِ فَلَا، وَإِنَّمَا جَاءَ سُبْحَانَهُ بِالْوَاوِ الْجَامِعَةِ دُونَ أَوْ: لِأَنَّ التَّخْيِيرَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا أَحَدُ الْأَعْدَادِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِمُرَادٍ مِنَ النَّظْمِ الْقُرْآنِيِّ. وَقَرَأَ النَّخَعِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ:
ثُلُثَ وَرُبُعَ بِغَيْرِ أَلِفٍ. قَوْلُهُ: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً: فَانْكِحُوا وَاحِدَةً، كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: فَانْكِحُوا مَا طابَ وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: فَالْزَمُوا أَوْ فَاخْتَارُوا وَاحِدَةً. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَالْمَعْنَى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي الْقَسْمِ وَنَحْوِهِ فَانْكِحُوا وَاحِدَةً، وَفِيهِ الْمَنْعُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ لِمَنْ خَافَ ذلك. وقريء: بِالرَّفْعِ، عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: أَيْ: فَوَاحِدَةٌ تُقْنِعُ وَقِيلَ:
التَّقْدِيرُ: فَوَاحِدَةٌ فِيهَا كِفَايَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةٌ عَلَى قِرَاءَةِ الرَّفْعِ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: فَالْمُقْنِعُ وَاحِدَةٌ.
قَوْلُهُ: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مَعْطُوفٌ عَلَى وَاحِدَةٍ، أَيْ: فَانْكِحُوا وَاحِدَةً أَوِ انْكِحُوا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنَ السَّرَارِيِّ وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُهُنَّ كَمَا يُفِيدُهُ الْمَوْصُولُ. وَالْمُرَادُ: نِكَاحُهُنَّ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ، لَا بِطَرِيقِ النِّكَاحِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ، عَلَى أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَمْلُوكَاتِ فِي الْقَسْمِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ جَعْلُهُ قَسِيمًا لِلْوَاحِدَةِ فِي الْأَمْنِ مِنْ عَدَمِ الْعَدْلِ. وَإِسْنَادُ الْمِلْكِ إِلَى الْيَمِينِ: لِكَوْنِهَا الْمُبَاشِرَةَ لِقَبْضِ الْأَمْوَالِ وَإِقْبَاضِهَا، وَلِسَائِرِ الْأُمُورِ الَّتِي تُنْسَبُ إِلَى الشَّخْصِ فِي الْغَالِبِ، وَمِنْهُ:
إِذَا مَا رَايَةٌ نُصِبَتْ لِمَجْدٍ ... تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ باليمين
(١) . التوبة: ٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute