للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ»

وقوله: يا بَنِي آدَمَ «٢» وقوله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: «ارْمُوا يَا بَنِي إِسْمَاعِيلَ» . وَذَهَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ: إِلَى تَوْرِيثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، وَلَا يُنْقِصُ مَعَهُمْ مِنَ الثُّلْثِ، وَلَا يُنْقِصُ مَعَ ذَوِي الْفُرُوضِ مِنَ السُّدُسِ في قول زيد، ومالك، والأوزاعي، وأبو يوسف، ومحمد، والشافعي. وقيل: يشرك بين الإخوة والجد إِلَى السُّدُسِ، وَلَا يَنْقُصُهُ مِنَ السُّدْسِ شَيْئًا مَعَ ذَوِي الْفُرُوضِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَطَائِفَةٍ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ: إِلَى أَنَّ الْجَدَّ يُسْقِطُ بَنِي الْإِخْوَةِ، وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ أَجْرَى بَنِي الْإِخْوَةِ فِي الْقَاسِمَةِ مَجْرَى الْإِخْوَةِ. وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ: عَلَى أَنَّ الْجَدَّ لَا يَرِثُ مَعَ الْأَبِ شَيْئًا، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ: عَلَى أَنَّ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ إِذَا لَمْ يَكُنْ للميت أم، وأجمعوا: على أنها ساقطة مع وجود الأم، وَأَجْمَعُوا: عَلَى أَنَّ الْأَبَ لَا يُسْقِطُ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأُمَّ.

وَاخْتَلَفُوا فِي تَوْرِيثِ الْجَدَّةِ وَابْنُهَا حَيٌّ، فَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ: أَنَّهَا لَا تَرِثُ وَابْنُهَا حَيٌّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي مُوسَى: أَنَّهَا تَرِثُ مَعَهُ، وَرُوِيَ أَيْضًا: عَنْ عَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ، وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ، وَجَابِرُ بْنُ زيد، وعبيد الله ابن الْحَسَنِ، وَشَرِيكٌ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. قَوْلُهُ: إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ الْوَلَدُ: يَقَعُ عَلَى الذكر والأنثى، لكنه إذا كان الموجود من الذَّكَرَ مِنَ الْأَوْلَادِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْأُنْثَى مِنْهُمْ: فَلَيْسَ لِلْجَدِّ إِلَّا السُّدُسُ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْجُودُ أُنْثَى: كَانَ لِلْجَدِّ السُّدُسُ بِالْفَرْضِ، وَهُوَ عُصْبَةٌ فِيمَا عَدَا السُّدُسَ، وَأَوْلَادُ ابْنِ الْمَيِّتِ كَأَوْلَادِ الْمَيِّتِ. قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ أَيْ: وَلَا وَلَدُ ابْنٍ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِجْمَاعِ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ مُنْفَرِدِينَ عَنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ الْأُمَّ لَا تَأْخُذُ ثُلُثَ التَّرِكَةِ إِلَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ غَيْرُ الْأَبَوَيْنِ، أَمَّا لَوْ كَانَ مَعَهُمَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ: فَلَيْسَ لِلْأُمِّ إلّا ثلث الباقي بعد الموجودين مِنَ الزَّوْجَيْنِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَ الْأَصْلِ مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ تَفْضِيلَ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ فِي مَسْأَلَةِ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ منها عِنْدَ انْفِرَادِهِمَا عَنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ. قَوْلُهُ: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ إِطْلَاقُ الْإِخْوَةِ يَدُلُّ: عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا.

وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ: على أن الاثنين من الإخوة يقومان مَقَامَ الثَّلَاثَةِ فَصَاعِدًا فِي حَجْبِ الْأُمِّ إِلَى السُّدُسِ، إِلَّا مَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ جَعَلَ الِاثْنَيْنِ كَالْوَاحِدِ فِي عَدَمِ الْحَجْبِ. وَأَجْمَعُوا أَيْضًا: عَلَى أَنَّ الْأُخْتَيْنِ فَصَاعِدًا كَالْأَخَوَيْنِ فِي حَجْبِ الْأُمِّ. قَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَعَاصِمٌ:

«يُوصَى» بِفَتْحِ الصَّادِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: بِكَسْرِهَا، وَاخْتَارَ الْكَسْرَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ لِأَنَّهُ جَرَى ذِكْرُ الْمَيِّتِ قَبْلَ هَذَا. قَالَ الْأَخْفَشُ: وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: يُوصِينَ وتُوصُونَ.

وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ تَقْدِيمِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الدَّيْنِ مَعَ كَوْنِهِ مُقَدَّمًا عَلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ، فَقِيلَ: الْمَقْصُودُ تَقْدِيمُ الْأَمْرَيْنِ عَلَى الْمِيرَاثِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَى التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا- وَقِيلَ: لَمَّا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ أَقَلَّ لُزُومًا مِنَ الدَّيْنِ قُدِّمَتِ اهْتِمَامًا بِهَا وَقِيلَ: قُدِّمَتْ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا، فَصَارَتْ كَالْأَمْرِ اللَّازِمِ لِكُلِّ مَيِّتٍ وَقِيلَ: قُدِّمَتْ لِكَوْنِهَا حَظَّ الْمَسَاكِينِ وَالْفُقَرَاءِ، وَأُخِّرَ الدَّيْنُ لِكَوْنِهِ حَظَّ غَرِيمٍ يَطْلُبُهُ بِقُوَّةٍ وَسُلْطَانٍ وَقِيلَ: لَمَّا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ نَاشِئَةً من جهة الميت


(١) . الحج: ٧٨.
(٢) . الأعراف: ٢٦ و ٢٧ و ٣١ و ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>