الْآيَةُ مُقَيِّدَةٌ لِقَوْلِهِ: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْكَبِيرَةُ: كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللَّهُ بِنَارٍ، أَوْ غَضَبٍ، أَوْ لَعْنَةٍ، أَوْ عَذَابٍ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْكَبَائِرُ: مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ إِلَى ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ آيَةً. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كُلُّ ذَنْبٍ نَسَبَهُ اللَّهُ إِلَى النَّارِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ: الْكَبَائِرُ:
كُلُّ ذَنْبٍ رَتَّبَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحَدَّ، أَوْ صَرَّحَ بِالْوَعِيدِ فِيهِ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِي التَّطْوِيلِ بِذِكْرِهِ. وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي عَدَدِهَا فَقِيلَ: إِنَّهَا سَبْعٌ، وَقِيلَ: سَبْعُونَ، وَقِيلَ: سَبْعُمِائَةٍ، وَقِيلَ: غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ، وَلَكِنَّ بَعْضَهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ، وَسَيَأْتِي مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَوْلُهُ: وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا أَيْ: مَكَانَ دُخُولٍ، وَهُوَ الْجَنَّةُ كَرِيماً أَيْ: حَسَنًا مَرْضِيًّا، وَقَدْ قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَالْكُوفِيُّونَ: مُدْخَلًا بِضَمِّ الْمِيمِ. وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ: بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَكِلَاهُمَا: اسْمُ مَكَانٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، قَالَ السُّيُوطِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ قَالَ: إِنَّهَا مُحْكَمَةٌ، مَا نُسِخَتْ، وَلَا تُنْسَخُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ فِي الْآيَةِ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَأْكُلَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ مَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَنَسَخَ ذَلِكَ الْآيَةُ الَّتِي فِي النُّورِ: وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ «١» الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَعِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ قَالَا:
نَهَاهُمْ عَنْ قَتْلِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ السُّدِّيِّ: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ قَالَ: أَهْلُ دِينِكُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً يَعْنِي: مُتَعَمِّدًا اعْتِدَاءً بِغَيْرِ حَقٍّ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً يَقُولُ: كَانَ عَذَابُهُ عَلَى اللَّهِ هَيِّنًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جريح قَالَ:
قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ: تَعَالَى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا فِي كُلِّ ذَلِكَ أَمْ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ؟ قَالَ: بَلْ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: هَانَ مَا سَأَلَكُمْ رَبُّكُمْ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وأخرج عبد بن جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ مَا نَهَى الله عَنْهُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ، وَقَدْ ذُكِرَتِ الطَّرْفَةُ، يَعْنِي: النَّظْرَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ عُصِيَ اللَّهُ فِيهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: كُلُّ مَا وَعَدَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ كَبِيرَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْهُ قَالَ: الْكَبَائِرُ: كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللَّهُ بِنَارٍ، أَوْ غَضَبٍ، أَوْ لَعْنَةٍ، أَوْ عَذَابٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ما قدّمنا عَنْهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ أَسَبْعٌ هِيَ؟ قَالَ: هِيَ إِلَى السَبْعِينَ أَقْرَبُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ كَمِ الْكَبَائِرُ أَسَبْعٌ هِيَ؟ قَالَ: هِيَ إلى
(١) . النور: ٦١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute