ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ: يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ أَيْ يَتِيهُونَ هَذَا الْمِقْدَارَ فَيَكُونُ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا. وَالْمُوَقَّتُ: هُوَ التِّيهُ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْحَيْرَةُ، يُقَالُ مِنْهُ: تَاهَ يَتِيهُ تِيهًا أَوْ تَوْهًا إِذَا تَحَيَّرَ، فَالْمَعْنَى: يَتَحَيَّرُونَ فِي الْأَرْضِ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ الَّتِي تَاهُوا فِيهَا كَانَتْ صَغِيرَةً نَحْوَ سِتَّةِ فَرَاسِخَ، كَانُوا يَمْسُونَ حَيْثُ أَصْبَحُوا وَيُصْبِحُونَ حَيْثُ أَمْسُوا، وَكَانُوا سَيَّارَةً مُسْتَمِرِّينَ عَلَى ذَلِكَ لَا قَرَارَ لَهُمْ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ هَلْ كَانَ مَعَهُمْ مُوسَى وَهَارُونَ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ: لَمْ يَكُونَا مَعَهُمْ، لِأَنَّ التِّيهَ عُقُوبَةٌ وَقِيلَ:
كَانَا مَعَهُمْ لَكِنْ سَهَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ كَمَا جَعَلَ النَّارَ بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ. وقد قيل: كيف يقع هذا الجماعة مِنَ الْعُقَلَاءِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَرْضِ الْيَسِيرَةِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ؟ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: يَكُونُ ذَلِكَ بِأَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ الْأَرْضَ الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا إِذَا نَامُوا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي ابْتَدَءُوا مِنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمَانِعَةِ مِنَ الْخُرُوجِ عَنْهَا عَلَى طَرِيقِ الْمُعْجِزَةِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً قَالَ: مَلَكَهُمُ الْخَدَمُ، وَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ مَلَكَ الْخَدَمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا كَانَتْ لَهُ الزَّوْجَةُ وَالْخَادِمُ وَالدَّارُ سُمِّيَ مَلِكًا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ابن جَرِيرٍ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: الزَّوْجَةُ وَالْخَادِمُ وَالْبَيْتُ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً قَالَ: الْمَرْأَةُ وَالْخَدَمُ وَآتاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ قَالَ: الَّذِينَ هُمْ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ يَوْمَئِذٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «كانت بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ خَادِمٌ وَدَابَّةٌ وَامْرَأَةٌ كُتِبَ مَلِكًا» .
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالزُّبَيْرُ بن بكار في الموفقيات عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ لَهُ بَيْتٌ وَخَادِمٌ فَهُوَ مَلِكٌ» . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي الْآيَةِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«زَوْجَةٌ وَمَسْكَنٌ وَخَادِمٌ» . وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ: أَلْسْنَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ؟ قَالَ: أَلَكَ امْرَأَةٌ تَأْوِي إِلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَلَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ، قَالَ: إِنَّ لِي خَادِمًا، قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْمُلُوكِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً قَالَ: جَعَلَ لَهُمْ أَزْوَاجًا وَخَدَمًا وَبُيُوتًا وَآتاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ قَالَ: الْمَنَّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَرَ وَالْغَمَامَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: الْمَنَّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَرَ وَالْغَمَامَ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ قَالَ: الطُّورُ وَمَا حَوْلَهُ. وَأَخْرَجَ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ:
هِيَ أَرْيَحَاءُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: هِيَ مَا بَيْنَ الْعَرِيشِ إِلَى الْفُرَاتِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هِيَ الشَّامُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute