خَطَبَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
فَسَكَتَ عَنْهُ، فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ: لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ مَا قُمْتُمْ بِهَا، ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ: أَعْنِي لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ أَخْرَجَ عَنْهُ نَحْوَ هَذَا ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وابن مردويه. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبي أمامة الباهلي نحوه. وأخرج ابن مردويه عن أبي مسعود نَحْوَهُ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ صَرَّحُوا فِي أَحَادِيثِهِمْ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: كَانُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الشَّيْءِ وَهُوَ لَهُمْ حَلَالٌ، فَمَا زَالُوا يَسْأَلُونَ حَتَّى يَحْرُمَ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ وَقَعُوا فِيهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْظَمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَيُحَرَّمُ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ حَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَفَرَضَ لَكُمْ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَتَرَكَ أَشْيَاءَ فِي غَيْرِ نِسْيَانٍ وَلَكِنْ رَحْمَةً لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا وَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا» . وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ قال: البحيرة والسّائبة والوصيلة والحاكم. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: الْبَحِيرَةُ: الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ وَلَا يَحْلِبُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَالسَّائِبَةُ: كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لِآلِهَتِهِمْ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَالْوَصِيلَةُ: النَّاقَةُ الْبِكْرُ تُبَكِّرُ فِي أَوَّلِ نِتَاجِ الْإِبِلِ ثُمَّ تُثَنِّي بَعْدُ بِأُنْثَى.
وَكَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لِطَوَاغِيتِهِمْ إِنْ وَصَلَتْ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى لَيْسَ بَيْنَهُمَا ذَكَرٌ وَالْحَامِي فَحْلُ الْإِبِلِ يَضْرِبُ الضِّرَابَ الْمَعْدُودَ، فَإِذَا قَضَى ضِرَابَهُ وَدَّعُوهُ لِلطَّوَاغِيتِ وَأَعْفُوهُ مِنَ الْحَمْلِ فَلَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَسَمَّوْهُ الْحَامِيَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْبَحِيرَةُ:
النَّاقَةُ إِذَا نَتَجَتْ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ نَظَرُوا إِلَى الْخَامِسِ، فَإِنْ كَانَ ذكرا ونحوه فَأَكَلَهُ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى جَدَعُوا آذَانَهَا فَقَالُوا: هَذِهِ بَحِيرَةٌ وَأَمَّا السَّائِبَةُ: فَكَانُوا يُسَيِّبُونَ مِنْ أَنْعَامِهِمْ لِآلِهَتِهِمْ لَا يَرْكَبُونَ لَهَا ظَهْرًا، وَلَا يَحْلِبُونَ لَهَا لَبَنًا، وَلَا يَجُزُّونَ لَهَا وَبَرًا، وَلَا يَحْمِلُونَ عَلَيْهَا شَيْئًا وَأَمَّا الْوَصِيلَةُ: فَالشَّاةُ إِذَا نَتَجَتْ سَبْعَةَ أَبْطُنٍ نَظَرُوا إِلَى السَّابِعِ، فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مَيِّتٌ اشْتَرَكَ فِيهِ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى اسْتَحْيَوْهَا، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فِي بَطْنٍ اسْتَحْيَوْهُمَا وَقَالُوا: وَصَلَتْهُ أُخْتُهُ فَحَرَّمَتْهُ عَلَيْنَا.
وَأَمَّا الْحَامُ: فَالْفَحْلُ مِنَ الْإِبِلِ إِذَا وُلِدَ لِوَلَدِهِ قَالُوا: حَمَى هَذَا ظَهْرَهُ فَلَا يَحْمِلُونَ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَلَا يَجُزُّونَ لَهُ وَبَرًا، وَلَا يَمْنَعُونَهُ مِنْ حِمًى وَلَا مِنْ حَوْضٍ يَشْرَبُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَوْضُ لِغَيْرِ صَاحِبِهِ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طريق العوفيّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute