للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ لَئِنْ لَمْ يُثَبِّتْنِي عَلَى الْهِدَايَةِ وَيُوَفِّقْنِي لِلْحُجَّةِ لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ لِلْحَقِّ فَيَظْلِمُونَ أَنْفُسَهُمْ وَيَحْرِمُونَهَا حَظَّهَا مِنَ الْخَيْرِ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً بَازِغًا وَبَازِغَةً مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِ، لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ بَصَرِيَّةٌ، وَإِنَّمَا قالَ هَذَا رَبِّي مَعَ كَوْنِ الشَّمْسِ مُؤَنَّثَةً، لِأَنَّ مُرَادَهُ هَذَا الطَّالِعُ، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ وَالْأَخْفَشُ، وَقِيلَ: هَذَا الضَّوْءُ وَقِيلَ: الشَّخْصُ، هَذَا أَكْبَرُ أي مما تقدّمه من الكوكب والقمر قالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ أَيْ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَجْعَلُونَهَا شُرَكَاءَ لِلَّهِ وَتَعْبُدُونَهَا، وَمَا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ، قَالَ بِهَذَا لَمَّا ظَهَرَ لَهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَخْلُوقَةٌ لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ مُسْتَدِلًّا عَلَى ذَلِكَ بِأُفُولِهَا الَّذِي هُوَ دَلِيلُ حُدُوثِهَا إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ أَيْ قَصَدْتُ بِعِبَادَتِي وَتَوْحِيدِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَذَكَرَ الْوَجْهَ لِأَنَّهُ الْعُضْوُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ الشَّخْصُ، أَوْ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الشَّخْصِ كُلِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً مَائِلًا إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ. قوله: وَحاجَّهُ قَوْمُهُ أي وقعت منهم المحاجة لَهُ فِي التَّوْحِيدِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى مَا يَدْعُونَهُ مِنْ أَنَّ مَا يُشْرِكُونَ بِهِ وَيَعْبُدُونَهُ مِنَ الْأَصْنَامِ آلِهَةٌ، فَأَجَابَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ أَيْ فِي كَوْنِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نِدَّ وَلَا ضِدَّ. وَقَرَأَ نَافِعٌ بِتَخْفِيفِ نُونِ أَتُحَاجُّونِي. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَشْدِيدِهَا بِإِدْغَامِ نُونِ الْجَمْعِ فِي نُونِ الْوِقَايَةِ وَنَافِعٌ خَفَّفَ فَحَذَفَ إِحْدَى النُّونَيْنِ، وَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ سِيبَوَيْهِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ أَنَّ قراءة نافع لحن، وجملة وَقَدْ هَدانِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ أَيْ هَدَانِي إِلَى تَوْحِيدِهِ وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ أَكُونَ مِثْلَكُمْ فِي الضَّلَالَةِ وَالْجَهَالَةِ وَعَدَمِ الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ:

وَلا أَخافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ قَالَ هَذَا لَمَّا خَوَّفُوهُ مِنْ آلِهَتِهِمْ بِأَنَّهَا سَتَغْضَبُ عَلَيْهِ وَتُصِيبُهُ بِمَكْرُوهٍ، أَيْ إِنِّي لَا أَخَافُ مَا هُوَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ يَجُوزُ رُجُوعُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى مَعْبُودَاتِهِمُ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِمَا فِي مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً أَيْ إِلَّا وَقْتَ مَشِيئَةِ رَبِّي بِأَنْ يُلْحِقَنِي شَيْئًا مِنَ الضَّرَرِ بِذَنْبٍ عَمِلْتُهُ فَالْأَمْرُ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ مِنْهُ لَا مِنْ مَعْبُودَاتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ. وَالْمَعْنَى:

عَلَى نَفْيِ حُصُولِ ضَرَرٍ مِنْ مَعْبُودَاتِهِمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِثْبَاتُ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَصُدُورِهِمَا حَسْبَ مَشِيئَتِهِ، ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَيْ إِنَّ عِلْمَهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا شَاءَ الْخَيْرَ كَانَ حَسَبَ مَشِيئَتِهِ، وَإِذَا شَاءَ إِنْزَالَ شَرٍّ بِي كَانَ، مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ مُكَمِّلًا لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَدَافِعًا لِمَا خَوَّفُوهُ بِهِ وَكَيْفَ أَخافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً أَيْ كَيْفَ أَخَافُ مَا لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ وَلَا يَخْلُقُ وَلَا يَرْزُقُ، وَالْحَالُ أَنَّكُمْ لَا تَخَافُونَ مَا صَدَرَ مِنْكُمْ مِنَ الشِّرْكِ بالله، وهو الضارّ النافع الخالق الرازق، أورد عَلَيْهِمْ هَذَا الْكَلَامَ الْإِلْزَامِيَّ الَّذِي لَا يَجِدُونَ عَنْهُ مَخْلَصًا وَلَا مُتَحَوَّلًا، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ والتقريع، وما فِي مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً: مَفْعُولُ أَشْرَكْتُمْ، أَيْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ جَعَلْتُمُ الْأَشْيَاءَ الَّتِي لَمْ يُنْزِلْ بِهَا عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا شُرَكَاءَ لِلَّهِ، أَوِ: الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَأْذَنْ بِجَعْلِهَا شُرَكَاءَ لَهُ وَلَا نَزَلْ عَلَيْهِمْ بِإِشْرَاكِهَا حُجَّةٌ يَحْتَجُّونَ بِهَا، فَكَيْفَ عَبَدُوهَا وَاتَّخَذُوهَا آلِهَةً وَجَعَلُوهَا شُرَكَاءَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ؟ قَوْلُهُ: فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ الْمُرَادُ بِالْفَرِيقَيْنِ فَرِيقُ الْمُؤْمِنِينَ وَفَرِيقُ الْمُشْرِكِينَ: أَيْ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَعْبُودِي هُوَ اللَّهُ الْمُتَّصِفُ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>