للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا بَعَدَهُمَا، وَإِنَّمَا عَدَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هِدَايَةَ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي عَدَّدَهَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، لِأَنَّ شَرَفَ الْأَبْنَاءِ مُتَّصِلٌ بِالْآبَاءِ. وَمَعْنَى: مِنْ قَبْلُ فِي قَوْلِهِ: وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ أَيْ مِنْ قَبْلِ إِبْرَاهِيمَ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ:

وَكَذلِكَ إِلَى مَصْدَرِ الْفِعْلِ الْمُتَأَخِّرِ: أَيْ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْجَزَاءِ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَإِلْياسَ قَالَ الضَّحَّاكُ: هو من ولد إسماعيل، وقال القتبي: هُوَ مِنْ سِبْطِ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ. وَقَرَأَ الأعوج وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَإِلْياسَ بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ. وَقَرَأَ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ وَالْيَسَعَ مُخَفَّفًا. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ إِلَّا عَاصِمًا بِلَامَيْنِ. وَكَذَا قَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَرَدَّ الْقِرَاءَةَ الْأُولَى، وَلَا وَجْهَ لِلرَّدِّ فَهُوَ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ، وَالْعُجْمَةُ لَا تُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ بَلْ تُؤَدَّى عَلَى حَسَبِ السَّمَاعِ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِي الِاسْمِ لُغَتَانِ لِلْعَجَمِ، أَوْ تُغَيِّرُهُ الْعَرَبُ تَغْيِيرَيْنِ. قَالَ الَمَهْدَوِيُّ: مَنْ قَرَأَ بِلَامٍ وَاحِدَةٍ فَالِاسْمُ يَسَعُ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ مَزِيدَتَانِ، كَمَا في قول الشاعر:

رأيت اليزيد بن الوليد مُبَارَكًا ... شَدِيدًا بِأَعْبَاءِ الْخِلَافَةِ كَاهِلُهُ

وَمَنْ قَرَأَ بِلَامَيْنِ فَالِاسْمُ لِيَسَعَ، وَقَدْ تَوَهَّمَ قَوْمٌ أَنَّ الْيَسَعَ هُوَ إِلْيَاسُ وَهُوَ وَهْمٌ، فَإِنَّ اللَّهَ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَالَ وَهْبٌ: الْيَسَعُ صَاحِبُ إِلْيَاسَ، وَكَانُوا قَبْلَ يَحْيَى وَعِيسَى وَزَكَرِيَّا وَقِيلَ: إِلْيَاسُ هُوَ إِدْرِيسُ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ إِدْرِيسَ جَدُّ نُوحٍ وَإِلْيَاسُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَقِيلَ: إِلْيَاسُ هُوَ الْخَضِرُ وَقِيلَ: لَا، بَلِ الْيَسَعُ هُوَ الْخَضِرُ وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ فَضَّلْنَاهُ بِالنُّبُوَّةِ عَلَى عَالَمِي زَمَانِهِ، وَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ.

قَوْلُهُ: وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ أَيْ هَدَيْنَا، وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ: أَيْ هَدَيْنَا بَعْضَ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ مَعْطُوفٌ عَلَى فَضَّلْنَا، وَالِاجْتِبَاءُ الِاصْطِفَاءُ أَوِ التَّخْلِيصُ أَوْ الِاخْتِيَارُ، مُشْتَقٌّ مِنْ جَبَيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ جَمَعْتُهُ، فَالِاجْتِبَاءُ ضَمُّ الَّذِي تَجْتَبِيهِ إِلَى خَاصِّيَّتِكَ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: جَبَيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ جَبْيٌ مَقْصُورٌ، وَالْجَابِيَةُ الْحَوْضُ، قَالَ الشَّاعِرُ:

... كَجَابِيَةِ الشَّيْخِ الْعِرَاقِيِّ تَفْهَقُ «١» وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ هُدَى اللَّهِ إِلَى الْهِدَايَةِ وَالتَّفْضِيلِ وَالِاجْتِبَاءِ الْمَفْهُومَةِ مِنَ الْأَفْعَالِ السَّابِقَةِ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُمُ الَّذِينَ وَفَّقَهُمْ لِلْخَيْرِ وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ وَلَوْ أَشْرَكُوا أَيْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ وَالْحُبُوطُ الْبُطْلَانِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ فِي الْبَقَرَةِ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ الْمَذْكُورِينَ سَابِقًا: أَيْ جِنْسِ الْكِتَابِ لِيُصَدِّقَ عَلَى كُلِّ مَا أُنْزِلَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ وَالْحُكْمَ الْعِلْمَ وَالنُّبُوَّةَ الرِّسَالَةَ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ الضَّمِيرُ فِي بِهَا: لِلْحُكْمِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْكِتَابِ، أَوْ لِلنُّبُوَّةِ فَقَطْ، وَالْإِشَارَةُ بِهَؤُلَاءِ إِلَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ المعاندين لرسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً هَذَا جَوَابُ الشَّرْطِ، أَيْ أَلْزَمْنَا بِالْإِيمَانِ بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ وَهُمُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، أَوِ الْأَنْبِيَاءُ المذكورون


(١) . وصدره: نفى الذم عن آل المحلق جفنة. والبيت للأعشى.

<<  <  ج: ص:  >  >>