وَقِيلَ اللَّامُ فِي لَمَنْ تَبِعَكَ لِلتَّوْكِيدِ، وَفِي لَأَمْلَأَنَّ لَامُ الْقَسَمِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَجَوَابُ الْقَسَمِ سَدَّ مَسَدَّ جَوَابِ الشَّرْطِ، لِأَنَّ مَنْ شَرْطِيَّةٌ، وَفِي هَذَا الْجَوَابِ مِنَ التَّهْدِيدِ مَا لَا يُقَادَرُ قَدْرُهُ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ لَمَنْ تَبِعَكَ بِكَسْرِ اللَّامِ، وَأَنْكَرَهُ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَتَقْدِيرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: مِنْ أَجْلِ مَنِ اتَّبَعَكَ، كَمَا يُقَالُ: أَكْرَمْتُ فُلَانًا لَكَ وَقِيلَ: هُوَ عِلَّةٌ لِاخْرُجْ، وَضَمِيرُ مِنْكُمْ لَهُ وَلِمَنِ اتَّبَعَهُ، وَغُلِّبَ ضَمِيرُ الْخِطَابِ عَلَى ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ، وَالْأَصْلُ مِنْكَ وَمِنْهُمْ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ قَالَ: الْعَدْلُ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ قَالَ: حَسَنَاتُهُ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ قَالَ: حَسَنَاتُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ: تُوزَنُ الْأَعْمَالُ. وَقَدْ وَرَدَ فِي كَيْفِيَّةِ الْمِيزَانِ وَالْوَزْنِ وَالْمَوْزُونِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «يصاح برجل من أمتي على رؤوس الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُنْشَرُ لَهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مِنْهَا مَدُّ الْبَصَرِ، فَيَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ:
لَا، يَا رَبِّ! فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ أَوْ حَسَنَةٌ؟ فَيَهَابُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: لَا، يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَيُخْرِجُ لَهُ بِطَاقَةً فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ، فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وثقلت البطاقة» وقد صححه أيضا الترمذي، وإسناد أَحْمَدَ حَسَنٌ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ قَالَ: خُلِقُوا فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَصُوِّرُوا فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: خُلِقُوا فِي ظَهْرِ آدَمَ ثُمَّ صُوِّرُوا فِي الْأَرْحَامِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: أَمَّا خَلَقْنَاكُمْ: فَآدَمُ، وَأَمَّا ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ: فَذُرِّيَّتُهُ.
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: خُلِقَ إِبْلِيسُ مِنْ نَارِ الْعِزَّةِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ إِبْلِيسُ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وَصَفَهُ لَكُمْ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسُ فِي قَوْلِهِ: خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إِلَى الْحَسَنِ. وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَوَّلُ مَنْ قَاسَ أَمْرَ الدِّينِ بِرَأْيهِ إِبْلِيسُ، قَالَ اللَّهُ لَهُ: اسْجُدْ لِآدَمَ، فَقَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» قَالَ جَعْفَرٌ: فَمَنْ قَاسَ أَمْرَ الدِّينِ بِرَأْيهِ قَرَنَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِإِبْلِيسَ لِأَنَّهُ اتَّبَعَهُ بِالْقِيَاسِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فَمَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ رَفْعُهُ وَهُوَ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ النُّبُوَّةِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَبِما أَغْوَيْتَنِي أَضْلَلْتَنِي. وأخرج عبد ابن حُمَيْدٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ قَالَ: طَرِيقُ مَكَّةَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عباس
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute