وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ أَيْ أَقَرُّوا بِالْكُفْرِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. قَوْلُهُ: قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ الْقَائِلُ: هو الله عزّ وجلّ، وفِي بِمَعْنَى مَعَ، أَيْ: مَعَ أُمَمٍ وَقِيلَ: هِيَ عَلَى بَابِهَا، وَالْمَعْنَى: ادْخُلُوا فِي جُمْلَتِهِمْ وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ خَازِنِ النَّارِ، وَالْمُرَادُ بِالْأُمَمِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ: هُمُ الْكُفَّارُ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ لَعَنَتْ أُخْتَها أَيِ الْأُمَّةَ الْأُخْرَى الَّتِي سَبَقَتْهَا إِلَى النَّارِ، وَجُعِلَتْ أُخْتًا لَهَا بِاعْتِبَارِ الدِّينِ، أَوِ الضَّلَالَةِ، أَوِ الْكَوْنِ فِي النَّارِ حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها
أَيْ: تَدَارَكُوا، وَالتَّدَارُكُ: التَّلَاحُقُ وَالتَّتَابُعُ وَالِاجْتِمَاعُ فِي النَّارِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ «تَدَارَكُوا» عَلَى الْأَصْلِ مِنْ دُونِ إِدْغَامٍ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ «حَتَّى إِذَا أَدْرَكُوا» أَيْ: أَدْرَكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو أَنَّهُ قَرَأَ بِقَطْعِ أَلِفِ الْوَصْلِ، فَكَأَنَّهُ سَكَتَ عَلَى إِذَا لِلتَّذَكُّرِ، فَلَمَّا طَالَ سُكُوتُهُ قَطَعَ أَلِفَ الْوَصْلِ كَالْمُبْتَدِئِ بِهَا، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
يَا نفس صبرا كلّ حيّ لاق ... وَكُلُّ اثْنَيْنِ إِلَى افْتِرَاقِ
قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ: أَيْ: أُخْرَاهُمْ دُخُولًا لِأُولَاهُمْ دُخُولًا، وَقِيلَ: أُخْرَاهُمْ: أَيْ: سَفَلَتُهُمْ وَأَتْبَاعُهُمْ لِأُولاهُمْ لِرُؤَسَائِهِمْ وَكِبَارِهِمْ، وَهَذَا أَوْلَى كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَإِنَّ الْمُضِلِّينَ هُمُ الرُّؤَسَاءُ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُمْ أَضَلُّوهُمْ لِأَنَّهُمْ تَبِعُوهُمْ وَاقْتَدَوْا بِدِينِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَيَصِحُّ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ أُخْرَاهُمْ تَبِعَتْ دِينَ أُولَاهُمْ، قَوْلُهُ: فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ الضِّعْفُ: الزَّائِدُ عَلَى مِثْلِهِ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً «١» وَقِيلَ الضِّعْفُ هُنَا الْأَفَاعِي وَالْحَيَّاتُ، وَجُمْلَةُ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ جَوَابًا لِسُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَالْمَعْنَى لِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ ضِعْفٌ مِنَ الْعَذَابِ، أَيِ: الطَّائِفَةِ الْأُولَى، وَالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى وَلكِنْ لَا تَعْلَمُونَ بِمَا لِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْعَذَابِ وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ أَيْ: قَالَ السَّابِقُونَ لِلَّاحِقِينَ، أَوِ الْمَتْبُوعُونَ لِلتَّابِعِينَ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَحْنُ سَوَاءٌ فِي الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَاسْتِحْقَاقِ عَذَابِهِ فَذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ كَمَا ذُقْنَاهُ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ وَالْكَفْرِ بِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْخَطِيبُ وَابْنُ النَّجَّارِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:
تَذَاكَرْنَا زِيَادَةَ الْعُمُرِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ أُنْسِئَ فِي أَجَلِهِ فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِزَائِدٍ فِي عُمُرِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ وَلَكِنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ لَهُ الذَّرِّيَّةُ الصَّالِحَةُ، فَيَدْعُونَ اللَّهَ مِنْ بَعْدِهِ فَيَبْلُغُهُ ذَلِكَ، فَذَلِكَ الَّذِي يُنْسَأُ فِي أَجَلِهِ. وَفِي لَفْظٍ: فَيَلْحَقُهُ دُعَاؤُهُمْ فِي قَبْرِهِ، فَذَلِكَ زِيَادَةُ الْعُمُرِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ يَنْبَغِي أَنْ يُكْشَفَ عَنْ إِسْنَادِهِ فَفِيهِ نَكَارَةٌ، وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِخِلَافِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: مَا أَحْمَقَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ أَطِلْ عُمُرَهُ، وَاللَّهُ يَقُولُ: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جرير وابن المنذر من طريق
(١) . الأحزاب: ٦٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute