للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاتَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ مِنَ الْعَذَابِ، ثُمَّ أَبَانَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْلُ جُهْدًا فِي إِبْلَاغِهِمُ الرِّسَالَةَ وَمَحْضِ النُّصْحِ، لَكِنْ أَبَوْا ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ فَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ، وَنَزَلَ بِهِمْ مَا كَذَّبُوا بِهِ وَاسْتَعْجَلُوهُ.

وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قَالَتْ ثَمُودُ لِصَالِحٍ: ائْتِنَا بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ، قَالَ: اخْرُجُوا، فَخَرَجُوا إِلَى هَضْبَةٍ من الأرض فإذا هي تَمَخَّضُ الْحَامِلُ، ثُمَّ إِنَّهَا انْفَرَجَتْ فَخَرَجَتِ النَّاقَةُ مِنْ وَسَطِهَا، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ:

هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَلَمَّا مَلُّوهَا عَقَرُوهَا فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ صَالِحًا قَالَ لَهُمْ حِينَ عَقَرُوا النَّاقَةَ: تَمَتَّعُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: آيَةُ هَلَاكِكُمْ أَنْ تُصْبِحَ وُجُوهُكُمْ غَدًا مُصْفَرَّةً، وَتُصْبِحَ الْيَوْمَ الثَّانِي مُحَمَّرَةً، ثُمَّ تُصْبِحَ الْيَوْمَ الثَّالِثَ مُسَوَّدَةً، فَأَصْبَحَتْ كَذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ أَيْقَنُوا بِالْهَلَاكِ فتكفنوا وتحنطوا، ثم أخذتهم الصيحة فأخمدتهم. وَقَالَ عَاقِرُ النَّاقَةِ: لَا أَقْتُلُهَا حَتَّى تَرْضَوْا أَجْمَعِينَ، فَجَعَلُوا يَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي خِدْرِهَا فَيَقُولُونَ:

أَتَرْضِينَ؟ فَتَقُولُ: نَعَمْ، وَالصَّبِيُّ، حَتَّى رَضُوا أَجْمَعُونَ، فَعَقَرَهَا. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الأوسط وَأَبُو الشَّيْخِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ الْحِجْرَ قَامَ فَخَطَبَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَسْأَلُوا نَبِيَّكُمْ عَنِ الْآيَاتِ. فَإِنَّ قَوْمَ صَالِحٍ سَأَلُوا نَبِيَّهُمْ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ آيَةً فَبَعَثَ اللَّهُ لَهُمُ النَّاقَةَ، فَكَانَتْ تَرِدُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ فَتَشْرَبُ مَاءَهُمْ يَوْمَ وِرْدِهَا وَيَحْتَلِبُونَ مِنْ لَبَنِهَا مِثْلَ الَّذِي كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ مَائِهَا يَوْمَ غِبِّهَا وَتَصْدُرُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ، فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَعَقَرُوهَا، فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ الْعَذَابَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَانَ وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ غَيْرَ مَكْذُوبٍ، ثُمَّ جَاءَتْهُمُ الصَّيْحَةُ فَأَهْلَكَ اللَّهُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ تَحْتَ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، إِلَّا رَجُلًا كَانَ فِي حَرَمِ اللَّهِ فَمَنَعَهُ حَرَمُ اللَّهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ: أَبُو رِغَالٍ فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ قَوْمَهُ» .

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْحِجْرِ: «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ» وَأَصْلُ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَبُوكَ نَزَلَ بِهِمُ الْحِجْرَ عِنْدَ بُيُوتِ ثَمُودَ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قوله وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ قَالَ: لَا تَعْقِرُوهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً قَالَ: كَانُوا يَنْقُبُونَ فِي الْجِبَالِ الْبُيُوتَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ قَالَ: غَلَوْا فِي الْبَاطِلِ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ: الصَّيْحَةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ قَالَ: مَيِّتِينَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>